قال ابن حِبان : «كلُّهم أئمة سادة قادة عدول، نَزَّهَ الله ¸ أقدار أصحاب رسول الله ﷺ عن أن يلزق بهم الوهن. وفي قوله ﷺ: «ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب»؛ أعظم الدليل على أن الصحابة كلَّهم عدول؛ ليس فيهم مجروح ولا ضعيف، إذْ لو كان فيهم مجروح أو ضعيف، أو كان فيهم أحدٌ غير عدل لاستثنى في قوله ﷺ، وقال: ألا ليُبلغ فلانٌ وفلانٌ منكم الغائب. فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ من بعدهم، دلَّ ذلك على أنهم كلَّهم عدول، وكفى بمَنْ عدَّله رسول الله ﷺ شرفًا»([1]).

وقال ابن حزم : «ولا عدول أعدل من الصحابة»([2]).

وقال ابن عبد البر : «ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله ¸ عليهم، وثناء رسوله ﷺ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه»([3]).

قال الخطيب البغدادي : «على أنه لو لم يَرِدْ من الله ¸ ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه([4])؛ لأوجبتِ الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد، والنصرة وبذل الـمُهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين؛ القطعَ على عدالتهم، والاعتقاد على نزاهتهم، وأنهم أفضل من الـمُعدلين والـمُزَكِّين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين»([5]).

قال الغزالي : «والذى عليه سلف الأمة، وجماهير الخلق، أن عدالتهم معلومة بتعديل الله ¸ إياهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يَثْبُت فلا حاجة لهم إلى التعديل ــ ثم ذكر بعض ما دلَّ على عدالتهم من الكتاب والسنة».

ثم قال: «فأي تعديلٍ أصح من تعديل علام الغيوب وتعديل رسوله ﷺ؟ كيف ولو لم يَرِدِ الثناءُ لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم في الهجرة، والجهاد، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأهل، في موالاة رسول الله ﷺ، ونصرته، كفاية في القطع بعدالتهم»([6]).

وقال ابن الأثير : «والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح والتعديل، فإنهم كلهم عدول، لا يتطرق إليهم الجرح، لأن الله ¸ ورسوله زكياهم وعدلاهم، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره»([7]).

قال النووي : «الصحابة  كلهم هم صفوة الناس، وسادات الأمة، وأفضل ممن بعدهم، وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم، وفيمن بعدهم كانت النخالة»([8]).

ولا بدَّ من التنبيه على أمر مهم، وهو أنه لا يلزم من العدالة العصمة، فهم بشر، وقد قال النبي ﷺ: «كل ابن آدم خطاء»([9])، ولكن أخطاءهم مغمورةٌ في بحور حسناتهم.

قال الإمام مالك  في الذين يقدحون في الصحابة: «إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي ﷺ فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء و لو كان رجلًا صالحًا لكان أصحابه صالحين»([10]).

 

([1])     الصحيح، ترتيبه الإحسان (1/162).

([2])    الإحكام (2/231).

([3])    الاستيعاب، بهامش الإصابة (1/4، 5، 8).

([4])    يقصد الأدلة التي ذكرها والتي تدل على عدالة الصحابة.

([5])    الكفاية في علم الرواية (ص 96).

([6])    المستصفى (1/164).

([7])    أسد الغابة (1/3).

([8])    شرح مسلم (12/216).

             والنخالة: القشرة التي تكون على الحبوب، وعادةً ما تُرمى؛ لأنه لا قيمة لها. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (4/133).

([9])    أخرجه أحمد في المسند (3/198).

([10])  الصارم المسلول (ص553).