مراجعة الشيعي عبدالحسين 92
29-03-2023
مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [92]
22 ربيع الأول سنة 1330 هـ
سلمتم ــ سلمكم الله تعالىٰ ــ بتأخرهم في سرية أسامة عن السير، وتثاقلهم في الجرف تلك المدة مع ما قد أمروا به من الإسراع والتعجيل. وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا علىٰ تأميره.
وسلمتم بطلبهم من أبي بكر عزله بعد غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طعنهم في إمارته، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا، وتنديده بهم في خطبته تلك علىٰ المنبر التي قلتم: أنها كانت من الوقائع التاريخية، وقد أعلن فيها كون أسامة أهلا لتلك الإمارة. وسلمتم بطلبهم من الخليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحل اللواء الذي عقده بيده الشريفة، مع ما رأوه من اهتمامه في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك.
وسلمتم بتخلف بعض من عبأهم صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الجيش، وأمرهم بالنفوذ تحت قيادة أسامة. سلمتم بكل هذا كما نص عليه أهل الأخبار، واجتمعت عليه كلمة المحدثين وحفظة الآثار، وقلتم إنهم كانوا معذورين في ذلك، وحاصل ما ذكرتموه من عذرهم إنهم إنما آثروا في هذه الأمور مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم لا بما أوجبته النصوص النبوية، ونحن ما ادعينا ــ في هذا المقام ــ أكثر من هذا. وبعبارة أخرىٰ، موضوع كلامنا إنما هو في أنهم هل كانوا يتعبدون في جميع النصوص أم لا، اخترتم الأول، ونحن اخترنا الثاني، فاعترافكم الآن بعدم تعبدهم في هذه الأوامر يثبت ما اخترناه، وكونهم معذورين أو غير معذورين خارج عن موضع البحث كما لا يخفىٰ، وحيث ثبت لديكم إيثارهم في سرية أسامة مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم علىٰ التعبد بما أوجبته تلك النصوص، فلم لا تقولون أنهم آثروا في أمر الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم علىٰ التعبد بنصوص الغدير وأمثالها.
اعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير أسامة: بأنهم إنما طعنوا بتأميره لحداثته مع كونهم بين كهول وشيوخ، وقلتم: إن نفوس الكهول والشيوخ تأبىٰ بجبلتها وطبعها أن تنقاد إلىٰ الأحداث، فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب علىٰ كهول الصحابة وشيوخهم، لإنهم ــ بحكم الضرورة من أخبارهم ــ قد استحدثوا سنه يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما استحدثوا سن أسامة يوم ولاه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم في تلك السرية، وشتان بين الخلافة وإمارة السرية، فإذا أبت نفوسهم بجبلتها أن تنقاد للحدث في سرية واحدة، فهي أولىٰ بأن تأبىٰ أن تنقاد للحدث مدة حياته في جميع الشؤون الدنيوية والأخروية.
علىٰ أن ما ذكرتموه من أن نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبعها من الانقياد للأحداث ممنوع، إن كان مرادكم الإطلاق في هذا الحكم، لأن نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للأحداث، ولا في غيره من سائر الأشياء: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]، ﴿ وَمَا آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنْتَهُوا﴾ [الحشر: 7].
أما الكلمة المتعلقة فيمن تخلف عن جيش أسامة، التي أرسلها الشهرستاني إرسال المسلمات، فقد جاءت في حديث مسند، أخرجه أبو بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في كتاب «السقيفة»، أنقله لك بعين لفظه، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح، عن أحمد بن سيار، عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله، عن عبد الله بن عبدالرحمن: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة علىٰ جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار، منهم: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وأمره أن يغير علىٰ مؤتة حيث قتل أبوه زيد، وأن يغزو وادي فلسطين، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث، حتىٰ قال له أسامة: بأبي أنت وأمي أتأذن لي أن أمكث أياما حتىٰ يشفيك الله تعالىٰ. فقال: «اخرج وسر علىٰ بركة الله»، فقال: يا رسول الله إن أنا خرجت وأنت علىٰ هذه الحال، خرجت وفي قلبي قرحة. فقال: «سر علىٰ النصر والعافية»، فقال: يا رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان. فقال: «انفذ لما أمرتك به».
ثم أغمي علىٰ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سأل عن أسامة والبعث، فأخبر أنهم يتجهزون، فجعل يقول: «أنفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عنه»، وكرر ذلك.
فخرج أسامة واللواء علىٰ رأسه والصحابة بين يديه حتىٰ إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر، وعمر، وأكثر المهاجرين، ومن الأنصار أسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وغيرهم من الوجوه، فجاء رسول أم أيمن يقول له: ادخل فإن رسول الله يموت، فقام من فوره، فدخل المدينة واللواء معه، فجاء به حتىٰ ركزه بباب رسول الله، ورسول الله قد مات في تلك الساعة. انتهىٰ بعين لفظه، وقد نقله جماعة من المؤرخين، منهم العلامة المعتزلي في آخر ص20 والتي بعدها من المجلد الثاني من «شرح نهج البلاغة»، والسلام. «ش».