المراجعة المنسوبة لشيخ الأزهر سليم البشري رقم [91]

19 ربيع الأول سنة 1330 هـ

نعم كان رسول الله عليه السلام قد حضهم علىٰ تعجيل السير في غزوة أسامة، وأمرهم بالإسراع كما ذكرت، وضيق عليهم في ذلك حتىٰ قال لأسامة حين عهد إليه: اغز صباحاً علىٰ أهل أبنىٰ، فلم يمهله إلىٰ المساء، وقال له: أسرع السير فلم يرض منه إلا بالإسراع، لكنه عليه السلام تمرض بعد ذلك بلا فصل، فثقل حتىٰ خيف عليه؛ فلم تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال، فتربصوا ينتظرون في الجرف ما تنتهي إليه حاله، وهذا من وفور إشفاقهم عليه، وولوع قلبهم به، ولم يكن لهم مقصد في تثاقلهم إلا انتظار إحدىٰ الغايتين، إما قرة عيونهم بصحته، وإما الفوز بالتشرف في تجهيزه، وتوطيد الأمر لمن يتولىٰ عليهم من بعده، فهم معذورون في هذا التربص، ولا جناح عليهم فيه.

وأما طعنهم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولاً وفعلاً علىٰ تأميره، فلم يكن منهم إلا لحداثته مع كونهم بين شيوخ وكهول، ونفوس الكهول والشيوخ تأبىٰ ــ بجبلتها ــ أن تنقاد إلىٰ الأحداث، وتنفر بطبعها من النزول علىٰ حكم الشبان، فكراهتهم لتأميره ليست بدعاً منهم، وإنما كانت علىٰ مقتضىٰ الطبع البشري، والجبلة الآدمية، فتأمل.

وما طلبهم عزل أسامة بعد وفاة الرسول، فقد اعتذر عنه بعض العلماء بأنهم ربما جوزوا أن يوافقهم الصديق علىٰ رجحان عزله لاقتضاء المصلحة ــ بحسب نظرهم ــ هكذا قالوا، والإنصاف أني لا أعرف وجهاً يقبله العقل في طلبهم عزله بعد غضب النبي من طعنهم في تأميره، وخروجه بسبب ذلك محموماً معصباً مدثراً، وتنديده بهم في خطبته تلك علىٰ المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية الشائعة بينهم، وقد سارت كل مسير، فوجه معذرتهم بعدها لا يعلمه إلا الله تعالىٰ.

وأما عزمهم علىٰ إلغاء البعث، وإصرارهم علىٰ الصديق في ذلك، مع ما رأوه من اهتمام النبي في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في ذلك، فإنما كان منهم احتياطاً علىٰ عاصمة الإسلام أن يتخطفها المشركون من حولهم، إذا خلت من القوة، وبعد عنها الجيش، وقد ظهر النفاق بموت النبي عليه السلام، وقويت نفوس اليهود والنصارىٰ، وارتدت طوائف من العرب، ومنعت الزكاة طوائف أخرىٰ، فكلم الصحابة سيدنا الصديق في منع أسامة من السفر فأبىٰ، وقال: والله لئن تخطفني الطير أحبّ إلىٰ من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا ما نقله أصحابنا عن الصديق، وأما غيره فمعذور من رد البعث، إذ لم يكن لهم مقصد سوىٰ الاحتياط علىٰ الإسلام.

وأما تخلف أبي بكر وعمر وغيرهما عن الجيش حين سار به أسامة، فإنما كان لتوطيد الملك الإسلامي، وتأييد الدولة المحمدية، وحفظ الخلافة التي لا يحفظ الدين وأهله يومئذ إلا بها.

وأما ما نقلتموه عن الشهرستاني في الملل والنحل، فقد وجدناه مرسلاً غير مسند، والحلبي والسيد الدحلاني في سيرتيهما قالا: لم يرد فيه حديث أصلاً. فإن كنت سلمك الله ترىٰ من طريق أهل السنة حديثاً في ذلك، فدلني عليه والسلام. «س».