نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين 90
29-03-2023
نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [90]
مراجعته هذه ترتكز علىٰ عدّة محاور، هي:
- أنّ أبا بكرٍ وعمر كانا ضمن سرية أسامة، وأنّ النبي أمّر أسامة عليهما.
- أنّ النبي أمر الصّحابة أن يسرعوا في المسير، ولكنهم تثاقلوا.
- أنّ الصّحابة طعنوا في تأمير أسامة.
- أنّ عمر طلب من أبي بكرٍ أن يعزل أسامة، وأنّ أبا بكرٍ انتهره.
- أنّ النبي لعن من تخلّف عن جيش أسامة.
- أنّ الصّحابة إنما تأخّروا بالخروج ليحكموا سيطرتهم علىٰ المدينة حتىٰ لا يولّي النبي من يريد، أي علياً في زعمهم.
- أنّ النبي أراد أن يولّي علياً بعد خروجهم.
والجواب عن هـٰذه الأمور بما يلي:
[1] دعوىٰ كون أبي بكرٍ وعمر كانا ضمن سرية أسامة:
فهـٰذا قد رواه أهل الأخبار والسّير، ولكنهم اختلفوا، فبعضهم ذكر أبا بكرٍ وعمر كما عند ابن سعدٍ في «الطّبقات»([1]) بدون إسناد، وكذا الذهبي في «تاريخ الإسلام»([2]) وقد ذكر رواية ابن سعد ونسبها للواقدي، أما الطّبري فقال: «وجوه المهاجرين الأولين»([3])، ولم يسم أحداً، والواقدي في «مغازيه»([4]) عدّ كبار المهاجرين ولم يذكر أبا بكر، وكذا ابن عساكر في «تاريخ دمشق»([5]) من طريق الواقدي، فالله أعلم.
[2] دعوىٰ أنّ النبي أمرهم أن يسرعوا في المسير:
فهـٰذا غير ظاهرٍ من الروايات، بل الروايات تبين أنّ النبي أمرهم أن يسرعوا إذا ساروا، لا أن يسرعوا في الخروج والمسير، وبينهما فرقٌ ظاهرٌ. وها هي الرواية أذكرها مفصّلةً من رواية أسامة بن زيدٍ: «أنّ النبي أمره أن يغير علىٰ «أبنىٰ» صباحاً، وأن يحرّقهم. قالوا: ثمّ إنّ رسول الله قال لأسامة: «امض علىٰ اسم الله». فخرج بلوائه معقوداً، فدفعه إلىٰ بريدة بن الحصيب، فخرج به إلىٰ بيت أسامة، وأمر رسول الله أسامة فعسكر بالجرف([6])، وجعل النّاس يجدّون بالخروج إلىٰ العسكر، فيخرج من فرغ من حاجته إلىٰ معسكره، ولم يبق أحدٌ من المهاجرين الأولين إلّا انتدب في تلك الغزوة، وهم: عمر بن الخطّاب، وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقّاصٍ. فقال رجالٌ من المهاجرين ــ وكان أشدّهم في ذٰلك قولاً عياش بن أبي ربيعة ــ: يستعمل هـٰذا الغلام علىٰ المهاجرين الأولين؟. فكثرت القالة في ذٰلك، فسمع عمر بن الخطّاب بعض ذٰلك القول، فردّه علىٰ من تكلّم به. وجاء إلىٰ رسول الله فأخبره بقول من قال.
فغضب رسول الله غضباً شديداً، فخرج وقد عصب علىٰ رأسه عصابةً وعليه قطيفةٌ، ثمّ صعد المنبر، فحمد الله وأثنىٰ عليه ثمّ قال: «أمّا بعد، يا أيها النّاس! فما مقالةٌ بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيدٍ؟ والله! لئن طعنتم في إمارتي أسامة؛ فقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله. وأيم الله! إن كان للإمارة لخليقاً، وإنّ ابنه من بعده لخليقٌ للإمارة، وإن كان لــمن أحبّ النّاس إلي، وإنّ هـٰذا لــمن أحبّ النّاس إلي..».
وذٰلك يوم السبت لعشر ليالٍ خلون من ربيعٍ الأول، وجاء المسلمون الذين سيخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله ، وفيهم: عمر بن الخطاب، ورسول الله يقول: «أنفذوا جيش أسامة..»، فمضىٰ الناس إلىٰ المعسكر، فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد ورسول الله ثقيلٌ مغمورٌ.. فطأطأ عليه أسامة فقبّله، ورسول الله لا يتكلّم، فجعل يرفع يده إلىٰ السّماء ثمّ يصبّها علىٰ أسامة. قال: فأعرف أنه كان يدعو لي.
قال أسامة: فرجعت إلىٰ معسكري، فلما أصبح يوم الإثنين غداً من معسكره، وأصبح رسول الله مفيقاً، فجاءه أسامة فقال: «اغد علىٰ بركة الله». فودّعه أسامة، وركب أسامة إلىٰ معسكره، وصاح في الناس أصحابه باللحوق بالعسكر، وأمر النّاس بالرّحيل، وقد متع النهار ــ أي تعالىٰ ــ فبينا أسامة يريد أن يركب من «الجرف» أتاه رسول أمّ أيمن ــ أمّه ـ تخبره أنّ رسول الله يموت، فأقبل أسامة إلىٰ المدينة ومعه عمر وأبو عبيدة، فتوفّي رسول الله حين زاغت الشّمس يوم الإثنين. اهـ.
فليس في القصّة أنهم تأخّروا، ولا أنّ رسول الله أمرهم أن يسرعوا بالخروج، ولكن جاء في الرواية: أنّ النبي قال لأسامة: «سِرْ علىٰ اسم الله وبركته حتىٰ تنتهي إلىٰ مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتك علىٰ هـٰذا الجيش»، فأغر صباحاً علىٰ «أبنىٰ» وحرّق عليهم، وأسرع السّير تسبق الخبر.
أمّا الزّيادة التي ذكرها عبدالحسين، ومنها: «فلما أصبح يوم التاسع والعشرين ووجدهم متثاقلين؛ خرج إليهم فحضّهم علىٰ السّير».
وكذا قوله: «وعسكر بالجرف ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا»؛ فهـٰذه كلّها زياداتٌ علىٰ الرواية لا تثبت، بل قاموا بما أمرهم النبي من الاستعداد للخروج، ولكنه جيشٌ كبيرٌ كان يستعدّ للخروج، وليس بكثيرٍ أن يستعدّ جيشٌ بهـٰذا الحجم مدّة أسبوعين.
وقد مرّ في الرواية السّابقة أنّ الرّسول ودّعه الجيش في اليوم العاشر من ربيعٍ الأول، أي قبل وفاته بيومين، ولم يعنّفهم، بل هـٰذا هو أوان خروجهم من المدينة، ثمّ باتوا في المعسكر ليلة الأحد الحادي عشر من ربيعٍ الأول، وفي صباح الأثنين ــ قبل وفاة النبي ــ جاء أسامة يودّع النبي ، فمتىٰ تثاقلوا؟!
[3] دعوىٰ أنهم طعنوا في تأمير أسامة:
ليته كان منصفاً؛ فيذكر من الذي طعن؟ وهو عياش بن أبي ربيعة، والذي ردّ عليه هو عمر، ولكن لعلّه لا يسعده أن يكون عمر هو الذي ردّ عليه كما مرّ في الرواية.
[4] دعوىٰ أنّ عمر طلب من أبي بكرٍ أن يعزل أسامة:
هذه الدعوىٰ لا تصحّ؛ لأنه من رواية سيف بن عمر، وهو متّهمٌ بالكذب كما أخرج ذٰلك الطّبري في «تاريخه»، وأيضا ليس فيه أنّ عمر طلب ذٰلك، بل فيه أنّ الأنصار طلبوا من عمر أن يقول ذٰلك لأبي بكرٍ.
[5] دعوىٰ لعن النبي من تخلّف عن جيش أسامة:
لم أجد له إسناداً، فلا يعتمد علىٰ مثل هـٰذا الكلام.
[6] دعوىٰ أنّ الصّحابة إنما تباطأوا بالخروج لئلّا يبايع النبي لعلي:
هـٰذا ادّعاءٌ لا برهان له إلّا سوء الظّنّ بأصحاب النبي ، وهل كلّهم تثاقلوا لأجل هـٰذا الأمر أو تواصوا به، أو هـٰذا عمل أبي بكرٍ وعمر وأبي عبيدة وأسامة؟ إنها دعاوىٰ باطلةٌ لا تستند إلىٰ دليلٍ، بل تستند إلىٰ سوء الظّنّ والأماني.
[7] دعوىٰ أنّ النبي أراد أن يولّي علياً بعد خروجهم:
هل كان هـٰذا قبل «رزية الخميس» أو بعدها؟
لقد ادّعىٰ أنّ النبي أمرهم بالخروج يوم التاسع والعشرين من صفر، أي قبل وفاته ــ بأبي هو وأمّي ــ بثلاثة عشر يوماً، و«رزية الخميس» كانت قبل وفاته بأربعة أيامٍ.
([1]) «الطبقات الكبرىٰ» (2/ 145).