نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين 80
29-03-2023
نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [80]
ذكر عبدالحسين أنّ بيعة أبي بكرٍ الصّدّيق كانت فلتةً، فأقول: هي كذٰلك؛ لأنّ الأنصار هم الذين بادروا إلىٰ الاجتماع والكلام في موضوع الخلافة، حتىٰ قال قائلهم: منّا أميرٌ ومنكم أميرٌ، فأتاهم أبو بكرٍ وعمر وأبو عبيدة، ولم يكن بوسعهم غير ذٰلك.
ولو لم يجتمع الأنصار لما أتوهم، ولكنهم خشوا إن تركوهم وما أرادوا وقعوا في مخالفة قول النبي : «قريشٌ ولاة النّاس في الخير والشّرّ إلىٰ يوم القيامة»([1]). فذهبوا إليهم، ووضّحوا لهم الأمر، فاستجاب أكثرهم، وحسماً للخلاف قال أبو بكرٍ: «بايعوا أحد هـٰذين الرّجلين اللذين مات رسول الله وهو عنهما راضٍ: عمر وأبا عبيدة». فقال عمر: «بل نبايعك، فأنت خيرنا وسيدنا»، فبايعوه.
وعندما نقول: إنّ النّاس قد أجمعوا علىٰ بيعة أبي بكرٍ؛ لا نعني في السقيفة، وإنما نعني ما كان بعد السّقيفة من مبايعة الجميع لأبي بكرٍ.
ومن ذكر عبدالحسين من المتخلّفين؛ فأنا أزيد أكثر منهم إن أراد إحصاء من لم يحضر السّقيفة، إذ ما حضر من المهاجرين إلىٰ أبو بكرٍ وعمر وأبو عبيدة.
وإن أراد أنّ هـٰؤلاء ــ الذين ذكرهم ــ كانوا معارضين؛ فعليه إثبات ذلك، ودونه خرط القتاد. وقد بايع الجميع أبا بكرٍ خلال يومين من البيعة كما جاء مصرّحاً به عند البيهقي من رواية أبي سعيدٍ الخدري، قال: لمّا توفّي رسول الله ؛ قام خطباء الأنصار، فجعل الرّجل منهم يقول: يا معشر المهاجرين! إنّ رسول الله كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منّا، فنرىٰ أن يلي هـٰذا الأمر رجلان: أحدهما منكم والآخر منّا. قال: فتتابعت خطباء الأنصار علىٰ ذٰلك. فقام زيد بن ثابتٍ ؟ا فقال: إنّ رسول الله كان من المهاجرين، وإنّ الإمام يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنّا أنصار رسول الله . فقام أبو بكرٍ ؟ا فقال: جزاكم الله خيراً يا معشر الأنصار، وثبّت قائلكم. ثمّ قال: أما لو فعلتم غير ذٰلك؛ لما صالحناكم. ثمّ أخذ زيد بن ثابتٍ بيد أبي بكرٍ، فقال: هـٰذا صاحبكم فبايعوه. ثمّ انطلقوا.
فلمّا قعد أبو بكرٍ ؟ا علىٰ المنبر([2])، نظر في وجوه القوم؛ فلم ير علياً ؟ا، فسأل عنه؟ فقام ناسٌ من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكرٍ: ابن عمّ رسول الله وختنه!([3]) أردت أن تشقّ عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله . فبايعه، ثمّ لم ير الزّبير بن العوّام ؟ا، فسأل عنه حتىٰ جاءوا به، فقال: ابن عمّة رسول الله وحواريه! أردت أن تشقّ عصا المسلمين؟ فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله . فبايعاه»([4]).
وقد جاء عن علي أنه قال: «إنّما الشّورىٰ للمهاجرين والأنصار»، ولم يدّع الخلافة لنفسه.
وذكر ابن كثيرٍ من رواية موسىٰ بن عقبة عن علي والزّبير أنهما قالا: «ما غضبنا إلّا لأنّا أخّرنا عن المشورة، وإنّا نرىٰ أنّ أبا بكرٍ أحقّ النّاس بها، إنه لصاحب الغار»([5]).
وأمّا ما ورد من حديث عائشة أنّ علياً لم يبايع إلا بعد ستّة أشهرٍ بعد موت فاطمة؛ فهـٰذا ــ فيما أعلم ــ لم تحدّث به عائشة، وإنما هو من إدراجات الزّهري رحمه الله كما نصّ علىٰ ذٰلك البيهقي. وإن كان من قولها فأبو سعيدٍ الخدري قد حدّث بما علم، ومن علم حجّةٌ علىٰ من لم يعلم.
وأمّا قوله: «بعد ستة أشهرٍ اضطرته المصلحة الإسلامية العامّة في تلك الظروف الحرجة إلىٰ الصّلح والمسالمة»؛ فهـٰذا غير صحيحٍ لأربعة أمورٍ:
- ما ثبت من بيعة علي في أوّل الأمر كما مرّ في رواية البيهقي عن أبي سعيدٍ.
- علىٰ القول جدلاً أنّ علياً تأخّر في المبايعة؛ فما الذي تغير من حال المسلمين فحمله علىٰ المبايعة، إذ إنّنا لا نعلم أنّ شيئاً تغير قبل أو بعد بيعته.
- قد ثبت أنّ علياً بايع من أوّل يومٍ لعمر، فإن كان أبو بكرٍ مغتصباً كما يزعمون، فعمر من باب أولىٰ، ومع هـٰذا لم يتأخر علي، بل بايع وتابع.
- قد رأينا أنّ علياً قبل الدّخول في الشّورىٰ، ثمّ بايع لعثمان كما بايع النّاس، ولو كان يرىٰ أو يعتقد أنه هو الخليفة بالنّصّ ــ كما يزعم ــ لما تابع ولا بايع.
وأمّا البيتان اللذان ذكرهما؛ فهما منسوبان إلىٰ علي كذباً وزوراً، ولا يكفي نسبتهما إلىٰ كتاب «نهج البلاغة» المنسوب إلىٰ علي، وقد دلّلنا سابقاً أنه ليس من تصنيف علي.
وخلاصة الأمر: إنّ بيعة الصّدّيق كانت فلتةً بمعنىٰ: أنها جاءت من غير تحضيرٍ لها؛ لأنّ الأنصار رضي الله عنهم اجتهدوا؛ فبادروا الناس باجتماعهم في السّقيفة حرصاً علىٰ أن يكون للمسلمين رأسٌ بعد وفاة النبي ؛ لئلّا ينفرط العقد أو يتجرّأ أحدٌ علىٰ الأمّة.
ولكنّهم رجعوا إلىٰ الحقّ بعدما ذكّرهم أبو بكرٍ بأنّ الخلافة في قريشٍ كما قال رسول الله ، وبعدما قال لهم عمر ــ مذكّراً بمكانة الصّدّيق علىٰ عهد رسول الله وتقديمه له في أكثر من مناسبةٍ ــ: «أيكم تطيب نفسه أن يتقدّم علىٰ أبي بكرٍ؟» فقالوا: «حاش لله».
فذهب الخلاف وتمّت البيعة لأبي بكرٍ الصّدّيق، ولم يتخلّف عنها أحدٌ إلّا ما ذكر عن سعد بن عبادة في أوّل الأمر، والظّاهر أنه بايع كما بايع غيره، وهـٰذا هو الظّنّ به ؟ا وعنهم.
ويؤكّد هـٰذا إطباقهم علىٰ مؤازرة الصّدّيق والنّصح له في أيام خلافته.
ثم العدد الكبير الذي ذكر ولم يبايعوا ومعهم آل البيت من أقارب النبي ﷺ، هل يستطيع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إجبارهم وأخذ الحق منهم إن كانت الخلافة لهم، وهل هذا إلا تخرص من عبدالحسين؟ وما أكثر تخرصاته!!
([1]) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/203) بإسنادٍ صحيحٍ.