مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [80]

24 صفر سنة 1329 هـ

نقول: إن المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تجتمع أمتي علىٰ الخطأ، ولا تجتمع علىٰ الضلال»، إنما هو نفي الخطأ والضلال عن الأمر الذي اشتورت فيه الأمة فقررته باختيارها، واتفاق آرائها، وهذا هو المتبادر من «السنن» لا غير.

أما الأمر الذي يراه نفر من الأمة فينهضون به، ثم يتسنىٰ لهم إكراه أهل الحل والعقد عليه، فلا دليل علىٰ صوابه، وبيعة السقيفة لم تكن عن مشورة، وإنما قام بها الخليفة الثاني، وأبو عبيدة، ونفر معهما، ثم فاجأوا بها أهل الحل والعقد، وساعدتهم تلك الظروف علىٰ ما أرادوا، وأبو بكر يصرح بأن بيعته لم تكن عن مشورة ولا عن روية، وذلك حيث خطب الناس في أوائل خلافته معتذرا إليهم، فقال: أن بيعتي كانت فلتة، وقىٰ الله شرها، وخشيت الفتنة.. الخطبة.

وعمر يشهد بذلك علىٰ رؤوس الأشهاد في خطبة خطبها علىٰ المنبر النبوي يوم الجمعة في أواخر خلافته، وقد طارت كل مطير، وأخرجها البخاري في «صحيحه» وإليك محل الشاهد منها بعين لفظه، قال: ثم أنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وأنها قد كانت كذلك ولكن الله وقىٰ شرها (إلىٰ أن قال): من بايع رجلاً من غير مشورة فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا، (قال): وأنه قد كان من خبرنا حين توفىٰ الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما.

ثم استرسل في الإشارة إلىٰ ما وقع في السقيفة من التنازع والاختلاف في الرأي، وارتفاع أصواتهم بما يوجب الفرق علىٰ الإسلام، وأن عمر بايع أبا بكر في تلك الحال.

ومن المعلوم بحكم الضرورة من أخبارهم أن أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة لم يحضر البيعة أحد منهم قط، وقد تخلفوا عنها في بيت علي، ومعهم سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، والزبير، وخزيمة بن ثابت، وأبي بن كعب، وفروة بن عمرو بن ودقة الأنصاري، والبراء بن عازب، وخالد بن سعيد بن العاص الأموي، وغير واحد من أمثالهم، فكيف يتم الإجماع مع تخلف هؤلاء كلهم، وفيهم آل محمد كافة وهم من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد، والعينين من الوجه، ثقل رسول الله وعيبته، وأعدال كتاب الله وسفرته، وسفن نجاة الأمة وباب حطتها، وأمانها من الضلال في الدين وأعلام هدايتها، كما أثبتناه فيما أسلفناه علىٰ أن شأنهم غني عن البرهان، بعد أن كان شاهده الوجداًن.

وقد أثبت البخاري ومسلم في «صحيحيهما»، وغير واحد من أثبات «السنن» والأخبار، تخلف علي عن البيعة، وأنه لم يصالح حتىٰ لحقت سيدة النساء بأبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك بعد البيعة بستة أشهر، حيث اضطرته المصلحة الإسلامية العامة في تلك الظروف الحرجة إلىٰ الصلح والمسالمة، والحديث في هذا مسند إلىٰ عائشة، وقد صرحت فيه: أن الزهراء هجرت أبا بكر، فلم تكلمه بعد رسول الله حتىٰ ماتت، وأن علياً لما صالحهم، نسب إليهم الاستبداد بنصيبه من الخلافة، وليس في ذلك الحديث تصريح بمبايعته إياهم حين الصلح، وما أبلغ حجته إذ قال مخاطبا لأبي بكر:

فإن كنت بالقربىٰ حججت خصيمهم            

      فغيرك أولىٰ بالنبي وأقرب

وإن كنت بالشورىٰ ملكت أمورهم    

                                                فكيف بهذا والمشيرون غيب

 

واحتج العباس بن عبدالمطلب بمثل هذا علىٰ أبي بكر، إذ قال له في كلام دار بينهما: فإن كنت برسول الله طلبت، فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت، فنحن منهم متقدمون فيهم، وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين، فما وجب إذ كنا كارهين. اهـفأين الإجماع بعد هذا التصريح من عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصنو أبيه؟ ومن ابن عمه ووليه وأخيه؟ ومن سائر أهل بيته وذويه؟ «ش».