نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين 74
28-03-2023
نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [74]
ذكر عبدالحسين في مراجعته؛ أنّ أمّ المؤمنين عائشة جابت في حرب أمير المؤمنين الأمصار، وقادت في انتزاع ملكه وإلغاء دولته ذٰلك العسكر الجرّار، وأنها من ألدّ خصوم علي، وأنها سجدت لله شكراً عند وفاته.
فأقول ابتداءً: ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 16]، فلا أعلم أنه وقع شيءٌ مما ذكر، وإنما هي دعاوىٰ تتقاذفها الألسن التي لا تحبّ أمّ المؤمنين، بل ولا أظنّها تحبّ زوجها ، وذٰلك أنّ الطّعن فيها هو طعنٌ في زوجها ، بل هو طعنٌ في ربّ العزّة حيث اختارها زوجةً له، فقال جلّ ذكره: ﴿ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النُّور: 26].
فما خرجت عائشة علىٰ علي أبداً، ولا ألّبت علىٰ قتاله، ولكن الذي حدث هو أنّ طلحة والزّبير رضي الله عنهما بعد مقتل عثمان خرجا من المدينة إلىٰ مكّة، وكانت أمّ المؤمنين عائشة هناك، فنظروا ومن معهم في هـٰذه المصيبة التي وقعت علىٰ المسلمين من قتل أمير المؤمنين عثمان بهـٰذه الطريقة من قبل هـٰؤلاء الرّعاع الخوارج الجهال، فكان رأيهم أن يخرجوا لقتال قتلة عثمان، وليس لقتال علي، فخرجوا إلىٰ البصرة وفيها كثيرٌ من قتلة عثمان، ولم يخرجوا إلىٰ المدينة.
ولو أرادوا الخروج علىٰ علي؛ لخرجوا إلىٰ المدينة، ومع هـٰذا؛ ليتهم لم يخرجوا، ولكن هـٰكذا رأوا رضي الله عنهم.
ولما سمع علي ؟ا بخروجهم إلىٰ البصرة لم يرض بذٰلك، ورأىٰ أنّ هـٰذا افتئاتٌ عليه، وكان الواجب عليهم أن يرجعوا إليه في هـٰذا الأمر. فخرج هو لهم من المدينة متّجهاً إلىٰ الكوفة، ومن ثمّ إلىٰ البصرة. فاجتمعوا في البصرة حيث أرسل علي المقداد والقعقاع ليردّا القوم، وبالفعل: اتّفق الزّبير وطلحة من جهةٍ، والمقداد والقعقاع من جهةٍ أخرىٰ علىٰ أن يرجعوا، وأن يسارع علي في الأخذ بثأر عثمان، وكانوا يرون أن علياً تأخّر في أخذ الثّأر لعثمان.
ولكن أهل الفرقة والضّلال من اتباع عبد الله بن سبأٍ لم يرق لهم الاجتماع والاتفاق الذي وقع، ورأوا أنهم اتفقوا علىٰ قتلهم واستئصالهم، فعزموا علىٰ ألا يكون اتفاقٌ.
وبالفعل: بدأ نشاطهم المشؤوم بعد منتصف الليل حيث كرّ جماعةٌ منهم علىٰ جيش طلحة والزّبير، فظنّ الجيش أنه وقع غدرٌ ــ وليس الأمر كذٰلك ــ، فما أصبح الصبح إلّا والقوم في قتالٍ شديدٍ، وقد حاول طلحة وعائشة وغيرهما إيقاف القتال ولكن دون جدوىٰ.
وكان طلحة يقول للناس: «أيها الناس! أتنصتون». فكانوا لا ينصتون، فقال: «أفٍ أفٍ، فراش نارٍ، وذبان طمعٍ».
وأرسلت عائشة كعب بن سورة بالمصحف لوقف القتال؛ فرشق بالسّهام وقتل، وحاول علي وقف القتال؛ فلم يتمكن. فما أصدق ما قال الشّاعر:
الحرب أول ما تكون فتيةً
تسعىٰ بزينتها لكلّ جهول
حتىٰ إذا اشتعلت وشبّ ضرامها
ولّت عجوزاً غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت
مكروهةً للشّمّ والتّقبيل
وقد ذكر هـٰذا كثيرٌ من المؤرخين، أمثال: الطّبري وابن كثيرٍ وابن خلدون وابن حزمٍ وغيرهم، ولذا لم يشارك في القتال طلحة ولا الزّبير.
وأمّا دعوىٰ انتزاعها ملك علي؛ فلم يكن لعلي ملكٌ، بل كان خليفةً راشداً وأميراً للمؤمنين، بل قد جاء عن عائشة وطلحة والزّبير رضي الله عنهم الحضّ علىٰ مبايعة علي؛ فقد أخرج الطّبري عن الأحنف بن قيسٍ قال: «لقيت طلحة والزّبير فقلت: من تأمراني به وترضيانه لي؛ فإنّي لا أرىٰ هـٰذا الرّجل إلّا مقتولاً؟ قالا: علي. قلت: أتأمراني به وترضيانه لي؟ قالا: نعم. قال: فانطلقت حتىٰ أتيت مكّة، فبينا نحن بها إذا أتانا قتل عثمان، وبها عائشة أمّ المؤمنين، فلقيتها، فقلت: من تأمريني أن أبايع؟ قالت: علي. قلت: أتأمريني به وترضينه لي؟ قالت: نعم»([1]).
وتبقىٰ دعوىٰ أنها سجدت لله شكراً عند موت علي؛ فدون إثباتها خرط القتاد.
وأمّا ما رواه الطّبري في «تاريخه» عن ابن عباس أنّ عائشة لا تطيب نفساً لعلي؛ فلا يصحّ، وها هي الرواية الصحيحة كما أخرجها الإمام البخاري([2]) بإسناده إلىٰ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ عن عائشة زوج النبي قالت: لمّا ثقل رسول الله واشتدّ به وجعه استأذن أزواجه أن يمرّض في بيتي، فأذنّ له، فخرج وهو بين الرّجلين تخطّ رجلاه في الأرض، بين عباس بن عبدالمطّلب وبين رجلٍ آخر. قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرّجل الآخر الّذىٰ لم تسمّ عائشة؟ قال قلت: لا. قال ابن عباس: هو علي.
وليس في هذه الرواية كما نرىٰ ما ذكر من قول ابن عباس: «أنّ عائشة لا تطيب له نفساً بخيرٍ».
والحديث أخرجه أيضاً مسلم([3])، وفيه: «بين رجلين أحدهما العباس» بمثل رواية البخاري. وفي روايةٍ لمسلمٍ([4]): «فخرج ويدٌ له علىٰ الفضل بن عباس ويدٌ له علىٰ رجلٍ آخر».
قال ابن حجرٍ ــ بعد أن أشار للاختلاف في اسم الرّجل الآخر ــ: «وقد وقع في روايةٍ لمسلمٍ عن عائشة: «فخرج بين الفضل بن العباس ورجلٍ آخر»، وفي أخرىٰ: «رجلين أحدهما أسامة»، وعند الدّارقطني: «أسامة والفضل»، وعند ابن حِبّان في آخره: «بريرة ونوبة» ــ بضمّ النّون وسكون الواو ثمّ موحّدةٍ، ضبطه ابن ماكولا وأشار إلىٰ هـٰذه الرواية ــ. واختلف: هل هو اسم عبدٍ أو أمةٍ؟ فجزم سيفٌ في «الفتوح» بأنّه عبدٌ، وعند ابن سعدٍ من وجهٍ آخر: «الفضل وثوبان». وجمعوا بين هـٰذه الرّوايات علىٰ تقدير ثبوتها بأنّ خروجه تعدّد، فيتعدّد من اتّكأ عليه، وهو أولىٰ من قول من قال: تناوبوا في صلاةٍ واحدةٍ»ـ([5]).
قلت: والحديث الذي ذكر فيه ما ذكر لا يثبت، وذٰلك حسب التفصيل الآتي:
روىٰ هـٰذا الحديث عن عائشة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ، ورواه عنه اثنان: موسىٰ بن أبي عائشة، وابن شهابٍ الزّهري.
أمّا طريق موسىٰ في «صحيح مسلمٍ»؛ فلم تذكر فيه هـٰذه الزيادة.
وأمّا طريق الزّهري؛ ففيه تفصيلٌ، حيث رواه عن الزّهري خمسةٌ، هم: عقيلٌ([6])، ومعمرٌ([7])، وشعيبٌ([8])، ويونس([9])، وسفيان بن عيينة([10]).
أمّا سفيان وعقيلٌ وشعيبٌ؛ فلم يذكرواهـٰذه الزيادة.
وأمّا معمر؛ فله طريقان: مرّةً متفرّداً، وليس فيه هـٰذه الزيادة. ومرّةً مع يونس وفيه هـٰذه الزيادة.
وعلّتها أحمد بن الحجّاج ــ شيخ ابن سعدٍ ــ الذي يرويه عن ابن المبارك عن يونس ومعمرٍ. وأحمد هـٰذا صدوقٌ، وقد تفرّد بهـٰذه الزيادة، وخالف الثّقات الأثبات؛ فتردّ زيادته الشّاذّة.
والحديث الذي بعده، وفيه: أنّ عائشة قالت لرجلٍ سألها عن علي وعمّارٍ؟ فقالت: أمّا علي فلست قائلةً لك فيه شيئاً؛ هـٰذا الحديث يرويه حبيب بن أبي ثابتٍ عن عطاءٍ، وحبيبٌ مدلّسٌ وقد عنعن، ثمّ إنّ روايته عن عطاءٍ فيها كلامٌ معروفٌ، قال العقيلي: «له عن عطاءٍ أحاديث لا يتابع عليها، وقال يحيىٰ بن سعيدٍ: حبيب بن أبي ثابتٍ عن عطاءٍ؛ ليست بمحفوظةٍ»([11]).
وشكّك في أمانة الإمام البخاري وغيره من أهل العلم في الحديث المشهور([12]) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: وأوصىٰ عند موته بثلاثٍ: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم». ونسيت الثّالثة.
وزعم أنّ الثّالثة هي: أن يولّوا عليهم علياً. وقال: «إنّ السلطة والسياسة لم تسمح بذكر الثّالثة»!!
ويرد علىٰ كلامه هذا عدّة أسئلةٍ:
- كيف عرف «الثالثة» التي نسيها الراوي؟
- وهل رزية الخميس هي وفاة النبي ، أم هي «الثالثة» التي ذكرها هو؟
- ومن الذي نسي «الثالثة»؟
إن كان يعتقد أنّ الصحابة الذين حضروا لم يذكروا الثالثة؛ فكان يمكنهم أن يكتفوا بذكر الثنتين دون قولهم: «ونسيت الثالثة». ثمّ: هل كلّهم نسوها؟ وهل كلّهم أطبقوا علىٰ كتمانها؟ وإن كان الذي نسي هم من بعد الصّحابة؛ فما ينفع ذكرهم أو نسيانهم؟ أم إنّ الذي نسي هو الإمام البخاري؟ فهل تفرّد البخاري بهـٰذا الحديث؟
هـٰذا؛ وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله([13]) أنّ الذي نسي الثالثة هو سعيد ابن جبيرٍ أو سفيان بن عيينة، وليس البخاري كما زعم عبدالحسين.
وأمّا «صحاح العترة» التي يتشدّق بذكرها؛ فلينظر لمعرفة حالها المراجعة رقم (62).
ثمّ إنّ أصحاب النبي ــ ومنهم عائشة ــ لم تكن عواطفهم مما تصرفهم عن الحقّ، ولذا نجدهم يروون الأحاديث التي فيها ذكر فضائل أهل البيت كما تقدّم، كما أنهم يروون الأحاديث التي فيها معاتبة النبي لهم، أو زجرهم، أو غير ذٰلك. فما الذي يحملهم علىٰ كتمان الوصية لعلي بالخلافة؟!
([1]) «تاريخ الطبري» (3/510). وقال الحافظ ابن حجر: «سنده صحيحٌ» «فتح الباري» (13/38).
([7]) «صحيح مسلم» (418)، و«طبقات ابن سعد» (2/232).
([8]) «مستخرج أبي عوانة» (2/113).
([9]) «طبقات ابن سعد» (2/232).