مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [70]

11 صفر سنة 1330 هـ

وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلىٰ علي لا يمكن جحودها، إذ لا ريب في أنه عهد إليه ــ بعد أن أورثه العلم والحكمة بأن: يغسله، ويجهزه، ويدفنه ويفي دينه، وينجز وعده، ويبرئ ذمته، ويبين للناس بعده ما اختلفوا فيه من أحكام الله وشرائعه عز وجل وعهد إلىٰ الأمة بأنه وليها من بعده، وأنه أخوه، وأبو ولده، وأنه وزيره، ونجيه، ووليه، ووصيه، وباب مدينة علمه، وباب دار حكمته، وباب حطة هذه الأمة، وأمانها، وسفينة نجاتها، وأن طاعته فرض عليها كطاعته، ومعصيته موبقة لها كمعصيته، وأن متابعته كمتابعته، ومفارقته كمفارقته، وأنه سلم لمن سالمه، وحرب لمن حاربه، وولي لمن والاه، وعدو لمن عاداه، وأن من أحبه فقد أحب الله ورسوله، ومن أبغضه فقد أبغض الله ورسوله، ومن والاه فقد والاهما، ومن عاداه فقد عاداهما، ومن آذاه آذاهما، ومن سبه فقد سبهما، وأنه إمام البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، وأنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وأنه راية الهدىٰ، وإمام أولياء الله، ونور من أطاع الله، والكلمة التي ألزمها الله للمتقين، وأنه الصديق الأكبر، وفاروق الأمة، ويعسوب المؤمنين، وأنه بمنزلة القرآن العظيم، والذكر الحكيم، وأنه منه بمنزلة هارون من موسىٰ، وبمنزلته من ربه، وبمنزلة رأسه من بدنه، وأنه كنفسه، وأن الله عز وجل اطلع إلىٰ أهل الأرض فاختارهما منها، وحسبك عهده يوم عرفات من حجة الوداع بأنه لا يؤدي عنه إلا علي، إلىٰ كثير من هذه الخصائص التي لا يليق لها إلا الوصي، والمخصوص منهم بمقام النبي، فكيف وأنىٰ ومتىٰ يتسنىٰ لعاقل أن يجحد بعدها وصيته؟! أو يكابر بها لولا الغرض، وهل الوصية إلا العهد ببعض هذه الشؤون؟!

أما أهل المذاهب الأربعة فإنما أنكرها منهم المنكرون، لظنهم أنها لا تجتمع مع خلافة الأئمة الثلاثة.

ولا حجة لهم علينا بما رواه البخاري وغيره عن طلحة بن مصرف حيث قال: سألت عبد الله بن أبي أوفىٰ: هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصىٰ؟ فقال: لا. قلت: كيف كتب علىٰ الناس الوصية ــ ثم تركها ــ ؟ قال: أوصىٰ بكتاب الله . اهـ.

فإن هذا الحديث غير ثابت عندنا، علىٰ أنه من مقتضيات السياسة وسلطتها، وبقطع النظر عن هذا كله، فإن صحاح العترة الطاهرة قد تواترت في الوصية، فليضرب بما عارضها عرض الجداًر.

علىٰ أن أمر الوصية غني عن البرهان، بعد أن حكم به العقل والوجداًن وإذا استطال الشيء قام بنفسه وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً.

أما ما رواه البخاري عن ابن أبي أوفىٰ من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أوصىٰ بكتاب الله»؛ فحق، غير أنه أبتر، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أوصىٰ بالتمسك بثقليه معاً، وعهد إلىٰ أمته بالاعتصام بحبليه جميعاً، وأنذرها الضلالة إن لم تستمسك بهما، وأخبرها أنهما لن يفترقا حتىٰ يردا عليه الحوض، وصحاحنا في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة، وحسبك مما صح من طريق غيرهم ما أوردناه في المراجعة 8 وفي المراجعة 54، والسلام. «ش».