نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين 58
27-03-2023
نبا سهم عبدالحسين ولم يصدق حدسه، وقلوبنا ــ قطعاً ــ تطمئنّ بما نقول، بل لا نقول إلا ما تطمئنّ به قلوبنا، ونحن ــ ولله الحمد ــ قائلون بحكمة النبي وعصمته وصدقه وأمانته، بل هو أكمل الخلق علىٰ الإطلاق.
وقد ذكر في مراجعته: «أنه لا يعقل أنّ النبي يحبسهم في الرّمضاء بهجيرٍ، وأرجع من تقدّم، وألحق من تأخّر، وأنزلهم في العراء من غير كلأٍ ولا ماء.. إلخ».
فأقول: من أين له أنّ النبي حبسهم في الهجير في ذٰلك اليوم خاصةً؟ أوَ ما يعلم أنه كان من عادتهم أنهم يسيرون ليلاً ويرتاحون نهاراً، وذٰلك في جميع أيام السّفر التي لا تقلّ عن عشرة أيامٍ من مكّة إلىٰ المدينة؟ فمن أين له أنهم لم يتوقّفوا إلّا في ذٰلك اليوم ــ إن هـٰذا منه لعجيبٌ ــ ؟
ثمّ كيف يقول: «إنه أنزلهم في الرمضاء من غير كلأ ولا ماء»، ألم يعلم أنهم نزلوا عند «غدير خمّ»؟ أوَ ما قرأ الحديث؟!!
والقول: «بأنه انتظر من تأخّر وأمر بإرجاع من تقدّم»؛ لا يستند إلىٰ دليلٍ! ولمَ لمْ يأتِ النبي بكلمةٍ تحسم الأمر بذكر الخليفة بعده، بل أتىٰ بكلامٍ عامٍّ محتملٍ يظهر منه جلياً أنه يذكر فضل آل بيته ومنهم علي ؟
أمّا من وجهة نظري؛ فإن السّبب الذي من أجله وقف النبي في هـٰذا المكان هو طلب الرّاحة كما هو الأمر في سائر الأيام، وأمّا الكلام الذي نبّه به علىٰ فضل أهل بيته وحقّهم وخاصةً علي؛ فقد كان بسبب ما وقع من الخصام بين علي وأصحابه في اليمن، حين أرسله النبي إليهم، كما في «صحيح البخاري»([1])، وفيه يقول بريدة بن الحصيب: بعث النبي علياً إلىٰ خالدٍ ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل، فقلت لخالدٍ: ألا ترىٰ إلىٰ هـٰذا! فلمّا قدمنا علىٰ النبي ؛ ذكرت ذٰلك له، فقال: «يا بريدة! أتبغض علياً؟». فقلت: نعم. قال : «لا تبغضه؛ فإنّ له فىٰ الخمس أكثر من ذٰلك».
وأخرج البيهقي عن أبي سعيدٍ أنّ علياً منعهم حللاً كانوا يريدون لبسها، فاشتكوا إلىٰ النبي ما وجدوه من علي من التّضييق عليهم، فكان من النبي ما كان في غدير خمّ([2]).
ولهـٰذا السبب لم يتكلّم النبي عن علي في يوم عرفة ولا في غيره من أيام الحجّ، بل انتظر حتىٰ كان في الطّريق إلىٰ المدينة بعيداً عن مكّة بــ(270) كيلو متر تقريباً، ولو كان الأمر أمر خلافةٍ؛ لكان ذكره وبينه لجميع المسلمين في أحد أيام الحجّ، خاصّةً وهم يزعمون أنّ النبي كان يخشىٰ ألّا يقبل أهل المدينة من المهاجرين والأنصار خلافة علي.
ثمّ لا يمتنع أبداً ــ إن سلّمنا ــ أنّ المقصود هو الخلافة أن تكون بعد أبي بكرٍ وعمر وعثمان، فمن أين لهم أنها تكون لعلي بعد وفاة النبي مباشرةً؟