إن منكم من يقاتل علىٰ تأويل القرآن
26-03-2023
[39] حديث: «إن منكم من يقاتل علىٰ تأويل القرآن، كما قاتلت علىٰ تنزيله»، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر، قال أبو بكر: أنا هو؟ قال: «لا». قال عمر: أنا هو؟ قال: «لا، ولكن خاصف النعل» يعني علياً. قال أبو سعيد الخدري: فأتيناه فبشرناه، فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله ﷺ.
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة([1])، وأحمد([2])، والحاكم([3]) وغيرهم، وإسناده حسنٌ، ومتن الحديث ليس فيه شيءٌ يتعلّق بالإمامة، ولكنّه خبرٌ عمّا يحدث في المستقبل.
كما أنه إخبار عما ستؤول إليه الأمور من ابتعاد الناس عن هدي النبي ﷺ، وكثرة الاختلاف، وأن علياً رضي الله عنه سيُبتلىٰ بهؤلاء وسيقاتلهم، وهذا يصدق تماماً علىٰ الخوارج الذين كانوا لا يرون الجدال إلا في كتاب الله كما وقع لهم مع علي وابن عباس رضي الله عنهما. وهذا ــ لا شك ــ يدل علىٰ أن علياً من أئمة الهدىٰ وأنه علىٰ الحق.
* * *
[39/م1] حديث أبي أيوب الأنصاري في خلافة عمر، إذ قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
قلت: هذا حديثٌ موضوع، روي بأكثر من طريق:
الطريق الأول:
أخرجه الحاكم([4])، حدثنا أبو بكر بن بالويه، حدثنا محمد بن يونس القرشي، حدثنا عبدالعزيز بن الخطاب، حدثنا علي بن غرابٍ، عن علي بن أبي فاطمة، عن الأصبغ بن نباتة، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت النبي يقول لعلي بن أبي طالبٍ: «تقاتل الناكثين والقاسطين، والمارقين بالطرقات، والنهروانات، وبالشعفات» قال أبو أيوب: قلت يا رسول الله، مع من تقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال: «مع علي بن أبي طالب»
فيه أصبغ بن نباتة، قال أبو بكر بن عياشٍ: «كذّابٌ». وقال النّسائي: «متروكٌ»([5]).
وفيه محمد بن يونس، وهو الكديمي، متهم بالوضع كما نص عليه ابن عدي([6]).
وفيه ابن أبي فاطمة وهو علي بن الحزور، متروك، وقد مرّ ذكره في الحديث رقم (21) من هذه المراجعة.
الطريق الثاني:
أخرجه الحاكم([7])، ومن طريقه ابن عساكر([8])، عن محمد بن حميدٍ، حدثنا سلمة بن الفضل، حدّثني أبو زيدٍ الأحول، عن عتّاب بن ثعلبة، حدّثني أبو أيوب الأنصاري ــ في خلافة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ــ قال: أمر رسول الله علي بن أبي طالبٍ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
فيه عتاب بن ثعلبة، قال الذهبي: «عداده في التّابعين، روىٰ عنه أبو زيدٍ الأحول حديث: قتال الناكثين، والإسناد مظلمٌ، والمتن منكر»([9]).
وفيه محمد بن حميد الرازي، كذبه أبو زرعة([10]).
الطريق الثالث:
أخرجه ابن عساكر([11])، عن المعلّىٰ بن عبدالرّحمن، أخبرنا شريكٌ، عن سليمان بن مهران الأعمش، أخبرنا إبراهيم، عن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفّين.. فقال: إنّ رسول الله أمرنا بقتال ثلاثةٍ مع علي: بقتال النّاكثين..» الحديث.
قال الألباني: «وهذا موضوع؛ آفته المعلّىٰ هذا، كان يضع الحديث، وقد صرّح عند موته بأنه وضع في فضل علي ؟ا تسعين ــ أو قال: سبعين ــ حديثاً([12]). وشريكٌ: هو ابن عبد الله القاضي، وهو سيء الحفظ. لكنّ الآفة من المعلّىٰ»([13]).
الطريق الرابع:
أخرجه ابن عساكر([14])، والطبراني([15])، عن محمد بن كثيرٍ، أخبرنا الحارث بن حصيرة، عن أبي صادقٍ، عن مخنف بن سليمٍ، عنه نحوه.
فيه محمد بن كثيرٍ الكوفي، وقد قال فيه أحمد: «خرقنا حديثه»([16]). وقال ابن المديني: «كتبنا عنه عجائب، وخططت علىٰ حديثه»([17]). وقال البخاري: «منكر الحديث»([18]).
وفيه الحارث بن حصيرة، شيعي اختلف فيه([19]).
وللحديث شواهد أخرىٰ رويت عن ابن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري، وقد خرجها العلامة الألباني([20]).
* * *
[39/م2] حديث عمار بن ياسر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا علي ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت علىٰ الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني».
قلت: هذا حديثٌ ضعيف جداً إن لم يكن موضوعاً.
أخرجه ابن عساكر([21])، من طريق أبي أحمد محمد بن أحمد العسّال، أخبرنا أبو يحيىٰ الرّازي ــ وهو عبدالرّحمن بن محمد بن سالمٍ ــ، أخبرنا عبد الله بن جعفرٍ المقدسي، أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن لهيعة، عن أبي عشّانة، عن عمّار بن ياسرٍ ؟ا مرفوعاً بلفظ: «يا علي! ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت علىٰ الحقّ، فمن لم ينصرك يومئذٍ فليس منّي».
فيه ابن لهيعة، ضعيف مدلس، وقد عنعن.
وفيه عبد الله بن جعفر المقدسي؛ ذكره الحافظ في «اللسان»، وقال: «لا أعرفه»([22]).
* * *
[39/م3] حديث أبي ذر، قال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده، إن فيكم رجلاً يقاتل الناس من بعدي علىٰ تأويل القرآن، كما قاتلت المشركين علىٰ تنزيله».
قلت: هذا الحديث موضوع.
ذكره السيوطي([23]) بلفظ: «والذي نفسي بيده! إن فيكم لرجلاً يقاتل الناس من بعدي علىٰ تأويل القرآن كما قاتلت المشركين علىٰ تنزيله، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، فيكبر قتلهم علىٰ الناس حتىٰ يطعنوا ولي الله تعالىٰ، ويسخطوا عمله كما سخط موسىٰ أمر السفينة والغلام والجداًر، وكان ذلك كله رضىٰ لله تعالىٰ».
قال الألباني: «موضوع، ولوائح الوضع عليه ظاهرةٌ، وإن كنت لم أقف علىٰ إسناده مع الأسف! ويكفي في الدّلالة علىٰ عدم صحّته أنّ السيوطي اقتصر في عزوه في «الجامع الكبير» علىٰ الدّيلمي فقط، عن أبي ذرٍّ، وكذا في «الكنز»([24]).
* * *
[39/م4] حديث محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده أبي رافع قال: قال رسول الله: «يا أبا رافع، سيكون بعدي قوم يقاتلون علياً، حق علىٰ الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه..» الحديث.
قلت: هذا الحديث موضوع.
أخرجه الطّبراني([25])، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا يحيىٰ بن الحسن بن فراتٍ، أخبرنا علي بن هاشمٍ، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافعٍ، أخبرنا عون بن عبيد الله بن أبي رافعٍ، عن أبيه، عن جدّه أبي رافعٍ قال: «دخلت علىٰ رسول الله وهو نائمٌ أو يوحىٰ إليه، وإذا حيةٌ في جانب البيت، فكرهت أن أقتلها فأوقظه، فاضطجعت بينه وبين الحية، فإن كان شيءٌ كان بي دونه، فاستيقظ وهو يتلو هذه الآية: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المَائدة: 55] الآية، قال: «الحمد لله». فرآني إلىٰ جانبه، فقال: «ما أضجعك ههنا؟» قلت: لمكان هذه الحية، قال: «قم إليها فاقتلها» فقتلتها، فحمد الله، ثم أخذ بيدي، فقال: «يا أبا رافعٍ! سيكون بعدي قومٌ يقاتلون علياً، حقّاً علىٰ الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك شيءٌ».
فيه محمد بن عبيد الله بن أبي رافعٍ، قال ابن معين: «ليس بشيء»([26]). وقال مرة: «ليس بثقة»([27]). وقال البخاري: «منكر الحديث»([28]). وقال أبو حاتم: «ضعيف الحديث، منكر الحديث جداً ذاهب»([29]). وقال ابن عدي: «يروي من الفضائل أشياء لا يتابع عليها»([30]).
وعون هو ابن علي بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه عبيد الله وهو الصحيح، عبيد الله بن علي، وليس علي بن عبيد الله، وقد فصّل ذلك ابن أبي حاتم([31]). وروايته عن أبي رافع مرسلة، كما نص على ذلك المزي([32]).
* * *
[39/م5] وحديث الأخضر الأنصاري، قال: قال رسول الله: «أنا أقاتل علىٰ تنزيل القرآن، وعلي يقاتل علىٰ تأويله».
قلت: هذا حديثٌ ضعيف جداً.
ذكره ابن السكن في «الصحابة» من طريق الحارث بن حصيرة، عن جابرٍ الجعفي، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن الأخضر بن أبي الأخضر، عن النبي به.
وقال ابن السكن: «الأخضر غير مشهورٍ في الصحابة، وفي إسناد حديثه نظرٌ»([33]).
وقال الحافظ ابن حجر: «وأشار الدّارقطني إلىٰ أنّ جابراً تفرّد به، وجابرٌ رافضي»([34]).
([5]) تقدّم في المراجعة (8)، الحديث (8).
([9]) «ميزان الاعتدال» (3/27).
([10]) «ميزان الاعتدال» (3/530).
([12]) تقدم في المراجعة (48)، الحديث (26).
([13]) «السلسلة الضعيفة» (10/557).
([15]) «المعجم الكبير» (4/172).
([18]) «التاريخ الكبير» (1/217).
([19]) تقدّم في المراجعة (48)، الحديث (5).
([20]) «السلسلة الضعيفة» (10/557).
([22]) «لسان الميزان» (4/455).
([23]) «الجامع الكبير» (10/621).
([24]) «السلسلة الضعيفة» (10/567).
([25]) «المعجم الكبير» (1/320).
([26]) «التاريخ الكبير» للبخاري (1/171).
([27]) «سؤالات ابن الجنيد» (46).
([28]) «التاريخ الكبير» (1/171).
([29]) «الجرح والتعديل» (8/2).
([31]) «الجرح والتعديل» (6/385).
([32]) «تهذيب الكمال» (19/120).
([33]) نقله عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الإصابة» (1/191).