أنا مدينة العلم وعلي بابها
26-03-2023
[9] حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب».
هذا حديثٌ موضوع.
وقد خرّجه الألباني([1])، وقال: «أخرجه ابن جريرٍ الطّبري في «تهذيب الآثار»([2])، والطّبراني([3])، والحاكم([4])، والخطيب([5])، وابن عساكر([6])، من طريق أبي الصّلت عبدالسلام بن صالحٍ الهروي، أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عباس مرفوعاً.
وقال ابن جريرٍ والحاكم: «صحيح الإسناد». وردّه الذهبي بقوله: «بل موضوع».
ثمّ قال الحاكم: «وأبو الصّلت ثقةٌ مأمونٌ». فتعقّبه الذهبي بقوله: «قلت: لا والله! لا ثقةٌ ولا مأمونٌ».
وفيه عبد السلام بن صالحٍ الهروي، أبو الصّلت.
قال أبو حاتمٍ: «لم يكن عندي بصدوقٍ، وهو ضعيف»([7]).
وقال ابن عدي: «له أحاديث مناكير في فضائل علي وفاطمة والحسن والحسين، وهو متهم في هذه الأحاديث»([8]).
وقال النّسائي: «ليس بثقةٍ»([9]).
وقال الدّارقطني: «رافضي خبيثٌ، متّهمٌ بوضع حديث: الإيمان إقرارٌ بالقلب»([10]).
وقال العقيلي: «رافضي خبيثٌ»([11]).
وأمّا يحيىٰ بن معين فقال عنه: «ليس ممّن يكذب»([12]).
وقال الدّوري: «سمعت يحيىٰ يوثّقه»([13]).
فأقول: ليس توثيق يحيىٰ ممّا يقوىٰ علىٰ مخالفة من سبق ذكرهم.
وقال الحافظ ابن حجر: «صدوقٌ، له مناكير، وكان يتشيع، وأفرط العقيلي فقال: كذّابٌ»([14]).
وقال الألباني: «لم يوثّقه أحدٌ سوىٰ ابن معينٍ، وقد اضطرب قوله فيه علىٰ وجوهٍ:
الأول: أنه «ثقةٌ». رواه عنه الدّوري. أخرجه الحاكم والخطيب([15]).
الثاني: «ثقةٌ صدوقٌ». رواه عنه عمر بن الحسن بن علي بن مالكٍ([16]).
الثالث: «ما أعرفه بالكذب». وقال مرّةً: «لم يكن عندنا من أهل الكذب. رواه عنه ابن الجنيد([17]). وقال أحمد بن محمد بن القاسم بن محرزٍ([18]): «وسألت يحيىٰ عن أبي الصّلت عبدالسلام بن صالحٍ الهروي؟ فقال: ليس ممّن يكذب».
الرابع: قال أبو علي صالح بن محمد وقد سئل عن أبي الصّلت: «رأيت يحيىٰ بن معينٍ يحسن القول فيه». كذا أخرجه الخطيب عنه. وأخرجه الحاكم([19]) من طريقٍ أخرىٰ عنه قال: «دخل يحيىٰ بن معينٍ ونحن معه علىٰ أبي الصّلت، فسلّم عليه، فلمّا خرج تبعته فقلت له: ما تقول رحمك الله في أبي الصّلت؟ فقال: هو صدوقٌ».
الخامس: «ما أعرفه»؛ أخرجه الخطيب([20]) من طريق عبدالخالق بن منصورٍ قال: وسألت يحيىٰ بن معينٍ عن أبي الصّلت؟ فقال: فذكره.
وقال الخطيب: «أحسب عبدالخالق سأل يحيىٰ بن معينٍ عن حال أبي الصّلت قديماً، ولم يكن يحيىٰ إذ ذاك يعرفه، ثمّ عرفه بعد».
قال [الألباني]: وهذا جمعٌ حسنٌ بين هذه الأقوال، علىٰ أنها باستثناء القول الأخير، لا تعارض كبير بينها كما هو ظاهرٌ. إلّا أنّ القول الثالث: «ما أعرفه بالكذب»؛ ليس نصّاً في التّوثيق، لأنّه لا يثبت له الضّبط والحفظ الذي هو العمدة في الرواية. فيبدو لي ــ والله أعلم ــ أنّ ابن معينٍ لم يكن جازماً في توثيقه، ولذلك اختلفت الرواية عنه، وسائر الأئمّة قد ضعّفوه وطعنوا فيه، فالعمدة عليهم دونه.
وكذلك اختلف قول ابن معينٍ في الحديث نفسه علىٰ وجوهٍ:
الأول: «هو صحيحٌ». أخرجه الخطيب عن القاسم بن عبدالرّحمن الأنباري عنه.
الثاني: ما هذا الحديث بشيءٍ. قاله في رواية عبدالخالق المتقدّمة عنه.
الثالث: قال يحيىٰ بن أحمد بن زيادٍ: «وسألته يعني ابن معينٍ عن حديث أبي معاوية الذي رواه عبدالسلام الهروي عنه عن الأعمش: حديث ابن عباس؟ فأنكره جداً». أخرجه الخطيب([21]).
الرابع: قال ابن محرزٍ في روايته المتقدّمة عن ابن معينٍ: «فقيل له في حديث أبي معاوية عن الأعمش.. فقال: هو من حديث أبي معاوية، أخبرني ابن نميرٍ قال: حدّث به أبو معاوية قديماً، ثمّ كفّ عنه، وكان أبو الصّلت رجلاً موسراً يطلب هذه الأحاديث، ويكرم المشايخ، وكانوا يحدّثونه بها».
فهذه الرواية تلتقي مع الثانية والثالثة، لقول ابن نميرٍ أنّ أبا معاوية كفّ عنه.
الخامس: «حديثٌ كذبٌ ليس له أصلٌ». قال ابن قدامة([22]): «وقال محمد بن أبي يحيىٰ([23]): سألت أحمد، عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهدٍ عن ابن عباس مرفوعاً به (فذكره)، فقال أحمد: قبّح الله أبا الصّلت ذاك؛ ذكر عن عبدالرزاق حديثاً ليس له أصلٌ. وقال إبراهيم بن جنيدٍ: سئل يحيىٰ بن معينٍ عن عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيدٍ؟ فقال: كذّابٌ يحدّث أيضاً بحديث أبي معاوية عن الأعمش بحديثٍ «أنا مدينة العلم، وعلي بابها»، وهذا حديثٌ كذبٌ ليس له أصلٌ. وسألته عن أبي الصّلت الهروي؟ فقال: قد سمع، وما أعرفه بالكذب. قلت: فحديث الأعمش عن مجاهدٍ عن ابن عباس؟ قال: ما سمعته قطّ، وما بلغني إلّا عنه»!
قلت [الألباني]: فأنت ترىٰ أن أكثر الروايات عن ابن معينٍ تميل إلىٰ تضعيف الحديث، وكأنه لذلك تأوّل الخطيب الرواية الأولىٰ عنه بأنه لا يعني صحّة الحديث نفسه، وإنما يعني ثبوته عن أبي معاوية ليس إلّا، فقال عقبها: «قلت: أراد أنه صحيحٌ من حديث أبي معاوية، وليس بباطلٍ، إذ قد رواه غير واحدٍ عنه».
قلت [الألباني]: وقد وقفت علىٰ جماعةٍ تابعوا أبا الصّلت في روايته، عن أبي معاوية، فأنا أسوق لك أسماءهم للنّظر في أحوالهم:
الأول: محمد بن الطّفيل؛ قال محمد بن أبي يحيىٰ المتقدّم ذكره عن يحيىٰ بن معينٍ أنه قال: «حدّثني به ثقةٌ محمد بن الطّفيل، عن أبي معاوية»([24]).
قلت: وهذه متابعةٌ قويةٌ إن صحّ السّند عن ابن الطّفيل؛ فإنه «صدوقٌ» كما في «التقريب»، لكن ابن أبي يحيىٰ فيه جهالةٌ كما سبق.
الثاني: جعفر بن محمد البغدادي أبو محمد الفقيه؛ أخرجه الخطيب([25]) من رواية محمد بن عبد الله أبي جعفرٍ الحضرمي عنه: حدثنا أبو معاوية به. قال أبو جعفرٍ: «لم يرو هذا الحديث، عن أبي معاوية من الثّقات أحدٌ، رواه أبو الصّلت فكذّبوه».
قلت [الألباني]: فيه إشارةٌ إلىٰ أنّ جعفر بن محمد ليس بثقةٍ، وقد قال الذهبي: «فيه جهالةٌ». ثمّ ساق له هذا الحديث وقال: «موضوع». وأقرّه الحافظ علىٰ التّجهيل، وتعقّبه علىٰ قوله بأنه «موضوع» فقال: «وهذا الحديث له طرقٌ كثيرةٌ في «مستدرك الحاكم»، أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصلٌ، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع». كذا قال، وفيه نظرٌ، فإنّ الحديث ليس له عند الحاكم إلّا هذه الطّريق، وطريقٌ أخرىٰ فقط، وهي الآتية بعد.
الثالث: محمد بن جعفرٍ الفيدي؛ أخرجه الحاكم([26])، وروىٰ بسنده الصّحيح عن العباس بن محمد الدّوري أنه قال: «سألت يحيىٰ بن معينٍ عن أبي الصّلت الهروي؟ فقال: ثقةٌ. فقلت: أليس قد حدّث عن أبي معاوية عن الأعمش «أنا مدينة العلم»؟ فقال: قد حدّث به محمد بن جعفرٍ الفيدي، وهو ثقةٌ مأمونٌ».
ورواه الخطيب أيضاً([27]) عن الدّوري بلفظ: «فقال: ما تريدون من هذا المسكين؟! أليس قد حدّث به محمد بن جعفرٍ الفيدي، عن أبي معاوية هذا أو نحوه». ولم يذكر التّوثيق! وقد قال الحافظ في ترجمة محمد بن جعفر بن أبي مواثة الكلبي أبي عبدالله، وقيل أبو جعفرٍ الكوفي، ويقال البغدادي العلاف المعروف بالفيدي من «التهذيب»: «روىٰ عنه البخاري حديثاً واحداً في الهبة و..، ومحمد بن عبد الله الحضرمي. ذكره ابن حِبّان في «الثّقات».. قلت: وقع في الهبة: حدثنا محمد بن جعفرٍ أبو جعفرٍ، ولم يذكر نسبه، والذي أظنّ أنه القومسي، فإنه لم يختلف في أنّ كنيته أبو جعفرٍ بخلاف هذا. والقومسي ثقةٌ حافظٌ بخلاف هذا، فإنّ له أحاديث خولف فيها»([28]). وقال: «محمد بن جعفرٍ الفيدي.. العلّاف نزل الكوفة ثمّ بغداد، مقبولٌ»([29]).
قلت [الألباني]: ولينظر إذا كان جعفر بن محمد البغدادي المتقدّم هو هذا أم غيره، فقد روىٰ عنه الحضرمي أيضاً كما تقدّم، ويكون انقلب اسمه علىٰ بعض الرواة. والله أعلم.
الرابع: عمر بن إسماعيل بن مجالدٍ؛ قال: حدثنا أبو معاوية به. أخرجه العقيلي([30]) وروىٰ عن ابن معينٍ أنه قال: «عمر بن إسماعيل شويطرٌ، ليس بشيءٍ، كذّابٌ، رجل سوءٍ، خبيثٌ، حدّث، عن أبي معاوية..». قال العقيلي: «ولا يصحّ في هذا المتن حديثٌ».
الخامس: رجاء بن سلمة؛ [قال]: حدثنا أبو معاوية الضّرير به([31]).
ورجاء هذا قال ابن الجوزي: «اتّهم بسرقة الأحاديث».
السادس: الحسن بن علي بن راشدٍ؛ أخرجه ابن عدي، وعنه السّهمي في «تاريخ جرجان» (24) حدثنا العدوي: حدثنا الحسن بن علي بن راشدٍ: حدثنا أبو معاوية به.
وهذه متابعةٌ قويةٌ؛ لأنّ الحسن هذا صدوقٌ رمي بشيءٍ من التّدليس كما في «التقريب»([32])، وقد صرّح بالتحديث، لولا أنّ العدوي هذا كذّابٌ واسمه الحسن بن علي بن زكريا البصري الملقّب بالذّئب! فهي في حكم المعدوم! ولذلك قال ابن عدي: «وهذا حديث أبي الصّلت الهروي، عن أبي معاوية، علىٰ أنه قد حدّث [به] غيره، وسرقه منه من الضّعفاء، وليس أحدٌ ممن رواه عن أبي معاوية خيراً وأصدق من الحسن بن علي بن راشدٍ الذي ألزقه العدوي عليه».
قلت: فهؤلاء ستّة متابعين لأبي الصّلت، ليس فيهم من يقطع بثقته، لأنّ من وثّق منهم، فليس توثيقه مشهوراً، مع قول أبي جعفرٍ الحضرمي المتقدّم: «لم يروه عن أبي معاوية من الثّقات أحدٌ». مع احتمال أن يكونوا سرقوه عن أبي الصّلت، وهو ما جزم به ابن عدي كما تقدّم ويأتي.
وقد وجدت لأبي معاوية متابعاً، ولكنه لا يساوي شيئاً، فقال ابن عدي، حدثنا أحمد بن حفصٍ السّعدي، حدثنا سعيد بن عقبة عن الأعمش به، وقال: «سعيد بن عقبة؛ سألت عنه ابن سعيدٍ؟ فقال: لا أعرفه. وهذا يروي عن أبي معاوية عن الأعمش. وعن أبي معاوية، يعرف بأبي الصّلت عنه، وقد سرقه عن أبي الصّلت جماعةٌ ضعفاء، فرووه عن أبي معاوية، وألزق هذا الحديث علىٰ غير أبي معاوية، فرواه شيخٌ ضعيف يقال له: عثمان بن عبد الله الأموي عن عيسىٰ بن يونس عن الأعمش. وحدثناه بعض الكذّابين عن سفيان بن وكيعٍ عن أبيه عن الأعمش».
قلت: وأحمد بن حفصٍ السّعدي شيخ ابن عدي في «هذا المتابع؛ قال الذهبي: «صاحب مناكير، قال حمزة السّهمي: لم يتعمّد الكذب. وكذا قال ابن عدي». وقال في سعيد بن عقبة عقب الحديث: «لعلّه اختلقه السّعدي». وعثمان بن عبد الله الأموي الراوي عن المتابع الثاني؛ قال الذهبي في «الضّعفاء»: «متّهمٌ، واهٍ، رماه بالوضع ابن عدي وغيره».
قلت: ومع ضعف هذه الطّرق كلّها، وإمساك أبي معاوية عن التحديث به؛ فلم يقع في شيء منها تصريح الأعمش بالتحديث. فإنّ الأعمش وإنّ كان ثقةً حافظاً، لكنه يدلّس كما قال الحافظ في «التقريب»، لا سيما وهو يرويه عن مجاهدٍ، ولم يسمع منه إلّا أحاديث قليلةً، وما سواها فإنما تلقّاها عن أبي يحيىٰ القتّات أو ليثٍ عنه. فقد جاء في «التهذيب»: «وقال يعقوب بن شيبة في «مسنده»: ليس يصحّ للأعمش عن مجاهدٍ إلّا أحاديث يسيرةٌ، قلت لعلي بن المديني: كم سمع الأعمش من مجاهدٍ؟ قال: لا يثبت منها إلّا ما قال: «سمعت»، هي نحو من عشرةٍ، وإنما أحاديث مجاهدٍ عنده عن أبي يحيىٰ القتّات. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: في أحاديث الأعمش عن مجاهدٍ، قال أبو بكرٍ بن عياشٍ عنه: حدّثنيه ليثٌ عن مجاهدٍ».
قلت: وأبو يحيىٰ القتّات، وليثٌ ــ وهو ابن أبي سليمٍ ــ كلاهما ضعيف. فما دام أنّ الأعمش لم يصرّح بسماعه من مجاهدٍ في هذا الحديث، فيحتمل أن يكون أخذه بواسطة أحد هذين الضّعيفين، فبذلك تظهر العلّة الحقيقية لهذا الحديث، ولعلّه لذلك توقّف أبو معاوية عن التحديث به، والله أعلم.
وقد روي الحديث عن علي أيضاً، وجابرٍ، وأنس بن مالكٍ:
- أمّا حديث علي؛ فأخرجه التّرمذي واستغربه.
- وأمّا حديث جابرٍ، فيرويه أحمد بن عبد الله بن يزيد الحرّاني، حدثنا عبدالرزاق، حدثنا سفيان الثّوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيمٍ، عن عبدالرّحمن بن عثمان التّيمي قال: سمعت رسول الله يوم الحديبية وهو آخذٌ بيد علي يقول: «هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصورٌ من نصره، مخذولٌ من خذله ــ يمدّ بها صوته ــ أنا مدينة العلم».
أخرجه الحاكم([33]) مفرّقاً، والخطيب([34])، وقال الحاكم: «إسناده صحيحٌ»! وردّه الذهبي بقوله: «قلت: العجب من الحاكم وجرأته في تصحيح هذا وأمثاله من البواطيل، وأحمد هذا دجّالٌ كذّابٌ». وقال في الموضع الثاني: «قلت: بل والله! موضوع، وأحمد كذّابٌ، فما أجهلك علىٰ سعة معرفتك»([35]).
وقال الخطيب في ترجمة أحمد هذا ــ وقد ساق له الشطر الأول من الحديث ــ: «وهو أنكر ما حفظ عليه، قال ابن عدي: كان يضع الحديث».
- وأمّا حديث أنسٍ؛ فله عنه طريقان:
الأولىٰ: عن محمد بن جعفرٍ الشّاشي: أخبرنا أبو صالحٍ أحمد بن مزيدٍ: أخبرنا منصور بن سليمان اليمامي: أخبرنا إبراهيم بن سابقٍ: أخبرنا عاصم بن علي: حدّثني أبي، عن حميدٍ الطويل، عنه مرفوعاً به دون قوله: «فمن أراد..»، وزاد: «وحلقتها معاوية»! أخرجه محمد بن حمزة الفقيه([36]).
قلت: وهذا إسنادٌ ضعيف مظلمٌ؛ من دون عاصم بن علي لم أعرف أحداً منهم، ووالد عاصمٍ ــ وهو علي بن عاصم بن صهيبٍ الواسطي ــ ضعيف؛ قال الحافظ: «صدوقٌ، يخطئ، ويصرّ».
ولست أشكّ أنّ بعض الكذّابين سرق الحديث من أبي الصّلت وركّب عليه هذه الزيادة انتصاراً لمعاوية ؟ا بالباطل، وهو غني عن ذلك.
الثانية: عن عمر بن محمد بن الحسين الكرخي: أخبرنا علي بن محمد بن يعقوب البردعي: أخبرنا أحمد بن محمد بن سليمان قاضي القضاة بــ (نوقان): حدّثني أبي: أخبرنا الحسن بن تميم بن تمّامٍ عن أنس بن مالكٍ به دون الزيادة، وزاد: «وأبو بكرٍ وعمر وعثمان سورها، وعلي بابها..».
أخرجه ابن عساكر في وقال: «منكر جداً، إسناداً ومتناً»([37]).
قلت [الألباني]: بل باطلٌ ظاهر البطلان؛ من وضع بعض جهلة المتعصّبين ممّن ينتمون للسّنّة. وجملة القول؛ أنّ حديث الترجمة ليس في أسانيده ما تقوم به الحجّة، بل كلّها ضعيفةٌ، وبعضها أشدّ ضعفاً من بعضٍ، ومن حسّنه أو صحّحه فلم ينتبه لعنعنة الأعمش في الإسناد الأول.
فإن قيل: هذا لا يكفي للحكم علىٰ الحديث بالوضع.
قلت [الألباني]: نعم، ولكن في متنه ما يدلّ علىٰ وضعه كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالىٰ في «منهاج السُّنة» قال: «وحديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» أضعف وأوهىٰ، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات، وإن رواه التّرمذي. وذكره ابن الجوزي وبين أنّ سائر طرقه موضوعةٌ، والكذب يعرف من نفس متنه؛ فإنّ النبي إذا كان مدينة العلم، ولم يكن لها إلّا بابٌ واحدٌ، ولم يبلّغ عنه العلم إلّا واحدٌ؛ فسد أمر الإسلام، ولهذا اتّفق المسلمون علىٰ أنّه لا يجوز أن يكون المبلّغ عنه العلم واحداً، بل يجب أن يكون المبلّغون أهل التّواتر الّذين يحصل العلم بخبرهم للغائب. وخبر الواحد لا يفيد العلم بالقرآن والسّنن المتواترة. وإذا قالوا: «ذلك الواحد المعصوم يحصل العلم بخبره»؛ قيل لهم: فلا بدّ من العلم بعصمته أوّلاً، وعصمته لا تثبت بمجرّد خبره قبل أن يعلم عصمته؛ لأنّه دورٌ لا إجماع فيها. ثمّ علم الرّسول من الكتاب والسُّنة قد طبق الأرض، وما انفرد به علي عن رسول الله فيسيرٌ قليلٌ، وأجلّ التابعين بالمدينة هم الذين تعلّموا في زمن عمر وعثمان. وتعليم معاذٍ للتابعين ولأهل اليمن أكثر من تعليم علي ؟ا، وقدم علي علىٰ الكوفة وبها من أئمّة التابعين عددٌ كشريحٍ، وعبيدة، وعلقمة، ومسروقٍ، وأمثالهم»([38]).
ثمّ رأيت ابن جريرٍ الطّبري قد أخرج الحديث من طريق عبدالسلام وإبراهيم بن موسىٰ الرّازي، وقال: «والرّازي هذا ليس بالفرّاء، (وقال:) لا أعرفه ولا سمعت منه غير هذا الحديث». وقال ابن عدي: «له حديثٌ منكر، عن أبي معاوية». وكأنه يعني هذا.
قلت [الألباني]: وقد خفي علىٰ الشّيخ الغماري كثيرٌ من هذه الحقائق، فذهب إلىٰ تصحيح الحديث في رسالةٍ له سمّاها «فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي» والرّدّ عليه يتطلّب تأليف رسالةٍ، والمرض والعمر أضيق من ذلك، لكن بالمقابلة تتبين الحقيقة لمن أرادها» اهـ([39]).
والحديث ضعّفه ثلّةٌ من العلماء، منهم: أبو زرعة الرّازي، يحيىٰ بن معينٍ، البخاري، التّرمذي، الدّارقطني، ابن الجوزي، ابن القيسراني، ابن دقيق العيد، ابن تيمية، الذهبي، الألباني.
هذا، وقد رجعت إلىٰ كتب الشيعة الاثني عشرية؛ لعلّي أجد للحديث إسناداً صحيحاً يسوّغ شهرته عندهم وتلقّيهم له بالقبول، ولكن لم أظفر بشيءٍ.
وبعد هـٰذا كلّه فلننظر إلىٰ متن هـٰذا الحديث، ولنقف معه وقفة متدبّرٍ مريدٍ للحقّ:
أولاً: إذا وصفنا شخصاً بكثرة العلم؛ فلا ينبغي أن يقال له: «مدينة العلم»؛ وذٰلك أنّ المدينة مسوّرةٌ محصورةٌ، والصّواب أن يقال له: «بحر العلم» أو «سماء العلم»؛ لأنّ البحر والسّماء لا حدّ لهما في أبصارنا، فيكون هذا أبلغ في التّشبيه والوصف علىٰ كثرة العلم.
ونحن نعلم أنّ النبي أوتي جوامع الكلم.
ثانياً: كيف يكون علي باب مدينة العلم، ومن أراد العلم فليأت الباب، مع أنّ الرّسول بعث إلىٰ النّاس كافّةً، بل وإلىٰ الجنّ علىٰ الصّحيح.
ثالثاً: معنىٰ أنّ علياً هو الباب لا غير؛ يقتضي أنّ علياً هو الذي أرسل إلىٰ النّاس كافّةً، وأنّ محمداً أرسل إلىٰ علي، فهل يقبل هـٰذا مسلمٌ؟
رابعاً: هل يصحّ أن يأتي النّاس النبي يريدون الخير والعلم والفقه، فيقول لهم: إيتوا علياً. فلا يجيب النبي أحداً ولا يعلّم أحداً!! لا يعلّم إلّا علياً. وهـٰذا أيضا لا يصحّ في مذهبهم؛ إذ إنّ علم علي عندهم لدنّي من الله مباشرةً، وليس من النبي . وهـٰذا واضحٌ جلي عندما نرجع إلىٰ كتبهم في «التفسير» عند تفسيرهم قوله تعالىٰ: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7].
خامساً: قد علم القاصي والدّاني، والصّغير والكبير، والمسلم والكافر، والذّكي والغبي، والعالم والجاهل؛ أنّ علياً لم ينفرد بنقل العلم عن الرّسول ، بل هناك غيره الكثير ممّن نقلوا عن الرّسول الكريم الكثير الكثير من الشّرائع والتّعاليم، كأزواجه وبقية أصحابه، وهم بهـٰذا المعنىٰ أبوابٌ للعلم كثرٌ.
سادساً: إنّ علياً قد فارق النبي في كثيرٍ من الأحيان:
ــ في بيته عندما يكون النبي مع أزواجه.
ــ في غزوة تبوك.
ــ في سفره إلىٰ الحجّ في السّنة العاشرة.
ــ في حجّ علي مع أبي بكرٍ في السّنة التّاسعة.
ــ في بداية الدّعوة.
ــ في سفره للطّائف.
فيا ترىٰ؛ من نقل لنا أحداث تلك الفترات والأماكن؟!!
([1]) انظر: «السلسلة الضعيفة» (6/518).
([3]) «المعجم الكبير» (11/65).
([7]) «الجرح والتعديل» (6/48).
([9]) «ميزان الاعتدال» (2/615).
([12]) «تهذيب الكمال» (18/79).
([14]) «تقريب التهذيب» (4098).
([15]) «المستدرك» (3/126)، «تاريخ بغداد» (11/50).
([17]) أخرجه في «التاريخ» (11/49).
([18]) «جزء معرفة الرّجال» ليحيىٰ بن معينٍ (ق 4/2)، ورواه عنه الخطيب (11/50).
([23]) قلت: ابن أبي يحيىٰ هذا لم أعرفه، ولم يذكره القاضي أبو يعلىٰ في «طبقات الحنابلة»، والله أعلم.
([24]) كذا في «منتخب ابن قدامة» (10/204/1).
([25]) «التاريخ» (7/172 ــ 173).
([29]) «تقريب التهذيب» (5823).
([30]) «الضعفاء» (1/147)، (3/149).
([32]) «تقريب التهذيب» (1268).
([33]) «المستدرك» (3/127، 129).
([35]) ترجمه الذهبي في «ميزان الاعتدال» (429) باسم: «أحمد بن عبدالله بن يزيد الهشيمي المؤدّب أبو جعفرٍ». وذكر له هذا الحديث مع أخر، وأقرّ من اتّهمه بالكذب والوضع.
([38]) «منهاج السنة» (4/138ــ 139)، «مختصره» (ص 496 ــ 497).
([39]) قلت: وقد قام بذلك أخونا الشيخ/ خليفة الكواري ــ حفظه الله ــ في رسالة موسعة، حيث قام بتخريج الحديث تخريجاً مطولاً، وتتبع جميع الطرق وألفاظه، وهي رسالة مطبوعة.