مراجعة الشيعي عبدالحسين 44
26-03-2023
مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [44]
5 المحرم سنة 1330 هـ
الجواب: أن الآية بحكم المشاهدة مفصولة عما قبلها من الآيات الناهية عن اتخاذ الكفار أولياء، خارجة عن نظمها إلىٰ سياق الثناء علىٰ أمير المؤمنين وترشيحه ــ للزعامة والإمامة ــ بتهديد المرتدين ببأسه، ووعيدهم بسطوته، وذلك لأن الآية التي قبلها بلا فصل إنما هي قوله تعالىٰ: ﴿يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المَائدة: 54].
وهذه الآية مختصة بأمير المؤمنين، ومنذرة ببأسه وبأس أصحابه، كما نص عليه أمير المؤمنين يوم الجمل، وصرح به الباقر والصادق، وذكره الثعلبي في «تفسيره»، ورواه صاحب «مجمع البيان» عن عمار، وحذيفة، وابن عباس، وعليه إجماع الشيعة وقد رووا فيه صحاحاً متواترة عن أئمة العترة الطاهرة، فتكون آية الولاية علىٰ هذا واردة بعد الإيماء إلىٰ ولايته، والإشارة إلىٰ وجوب إمامته، ويكون النص فيها توضيحاً لتلك الإشارة، وشرحاً لما سبق من الإيماء إليه بالإمارة، فكيف يقال بعد هذا إن الآية واردة في سياق النهي عن اتخاذ الكفار أولياء؟!
علىٰ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل أئمة عترته بمنزلة «القرآن»، وأخبر أنهما لا يفترقان، فهم عدل الكتاب، وبهم يعرف الصواب، وقد تواتر احتجاجهم بالآية، وثبت عنهم تفسير الولي فيها بما قلناه فلا وزن للسياق لو سلم كونه معارضا لنصوصهم؛ فإن المسلمين كافة متفقون علىٰ ترجيح الأدلة علىٰ السياق، فإذا حصل التعارض بين السياق والدليل، تركوا مدلول السياق واستسلموا لحكم الدليل، والسر في ذلك عدم الوثوق حينئذ بنزول الآية في ذلك السياق، إذ لم يكن ترتيب «الكتاب العزيز» في الجمع موافقاً لترتيبه في النزول بإجماع الأمة، وفي «التنزيل» كثير من الآيات الواردة علىٰ خلاف ما يعطيه سياقها كآية التطهير المنتظمة في سياق النساء مع ثبوت النص علىٰ اختصاصها بالخمسة أهل الكساء، وبالجملة، فإن حمل الآية علىٰ ما يخالف سياقها غير مخل بالإعجاز، ولا مضر بالبلاغة، فلا جناح بالمصير إليه، إذا قامت قواطع الأدلة عليه، والسلام. «ش».