نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [42]

استدلّ عبدالحسين بقوله تعالىٰ: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ﴾  [آل عمران: 173].

وقال: «إنها نزلت في واحد وهو: نعيم بن مسعود بإجماع المفسّرين والمحدّثين وأهل الأخبار..».

فأقول: إن هـٰذا الكلام فيه مجازفةٌ كبيرةٌ.

ثمّ من نقل هذا الإجماع المدّعىٰ؟ وأين موضعه في المصادر؟

بل قد ذهب أكثر المفسّرين إلىٰ إنها نزلت بعد معركة «حمراء الأسد»، وإن القائل: هو ركبٌ من عبدالقيس، أو نعيم بن مسعود أو المنافقون([1])، وهـٰكذا ذكر أهل السّير.

وأمّا ما ذكره من إن العرب تعبّر عن المفرد بلفظ الجمع؛ فهـٰذا لا يخالف فيه أحدٌ، ولكن لا أظنّه ــ كذٰلك ــ يخالف إن الأصل في إطلاق الجمع إنه يراد به الجمع، إلّا إذا دلّ الدّليل أو القرينة علىٰ أن المفرد مرادٌ.

وما نقله عن الطّبرسي في «تفسيره» إن الفائدة من ذكر الجمع هي تفخيم علي وتعظيمه؛ فأقول: هذا القول ليس بجيد ولا مفيد؛ إذ فيه إن الله تعالىٰ ذكر علياً معظّماً، ولم يذكر رسوله كذٰلك، بل ذكره مفرداً.

وقد وقفت في كتبهم علىٰ نظائر كثيرة لقوله هـٰذا؛ تظهر تعظيماً لعلي لا يعطاه رسول الله ، فقد روىٰ الصّدوق عن النّبي  أنه قال: «أعطيت ثلاثاً وعلي مشاركي فيها، وأعطي علي ثلاثا ولم أشاركه فيها». فقيل: يا رسول الله! وما الثّلاث التي شاركك فيها علي؟ قال : «لواء الحمد لي وعلي حامله، والكوثر لي وعلي ساقيه، والجنّة والنّار لي وعلي قسيمهما. وأمّا الثلاث التي أعطي علي ولم أشاركه فيها: فإنه أعطي شجاعةً ولم أعط مثله، أعطي فاطمة الزّهراء زوجةً ولم أعط مثلها، أعطي ولديه الحسن والحسين ولم أعط مثلهما»([2]).

ودعوىٰ «أن الله جاء بلفظ الجمع ليعمّي علىٰ أعداء بني هاشم وسائر المنافقين والحسدة فيكيدون للإسلام، وإنه لو جاء بالعبارة الصّريحة المختصرة بالمفرد؛ لجعلوا أصابعهم في آذانهم..».

قلت: فهل مثل هـٰذا يقال في أصحاب رسول الله  الذين أحبّهم ورضي الله عنهم؟ أهـٰكذا يعظّم أصحاب محمد ؟ أليسواهـٰؤلاء الذين قال الله تعالىٰ فيهم:

﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾  [الفتح: 29].

وقال تعالىٰ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ ٱلْمُهَاجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ﴾  [الحَشر: 8].

وقال  عز وجل: ﴿وَالسَّابِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلْأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾  [التّوبَة: 100].

أليسوا هم الذين ألّف الله بين قلوبهم، وشهد لهم بالإيمان والتّقوىٰ ومحبّة الله ورسوله، وأخبر أنه رضي عنهم، ولا يرضىٰ الله سبحانه إلّا علىٰ من علم إنه يموت علىٰ موجبات الرّضىٰ؟

ولو كان الأمر كما يقول عبدالحسين؛ فلم لم يمتنعوا عن مبايعة علي عام (35 هـ) بعد استشهاد عثمان؟ بل إن علياً قبل خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، بايع وتابع رضي الله عنهم.

ثمّ ما الذي يمنعهم من قبول خلافة علي إذ قبلوا نبوة محمد ؟

وهل خلافة علي أعظم قدراً وأخطر أثراً من نبوة محمد ؟

وبعد هـٰذا كله؛ فإن سباق وسياق الآيات الكريمات يأبىٰ ما يقول هذا الشيعي، كما نصّ علىٰ ذٰلك كثيرٌ من أهل العلم، ومنهم البقاعي في «نظم الدّرر».

 

([1])        انظر: جامع البيان، والجامع لأحكام القرآن، وتفسير القرآن العظيم، وفتح القدير، وتفسير القرآن للسّمعاني، وزاد المسير.

([2])       انظر: «الأنوار النعمانية» (1/17).