مراجعة الشيعي عبدالحسين 42
26-03-2023
مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [42]
4 المحرم سنة 1330 هـ
الجواب: إن العرب يعبرون عن المفرد بلفظ الجمع، لنكتة تستوجب ذلك.
والشاهد علىٰ ذلك قوله تعالىٰ في سورة آل عمران: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]. وإنما كان القائل نعيم بن مسعود الأشجعي وحده، بإجماع المفسرين والمحدثين وأهل الأخبار، فأطلق الله سبحانه عليه وهو مفرد لفظ الناس، وهي للجماعة تعظيماً لشأن الذين لم يصغوا إلىٰ قوله، ولم يعبأوا بإرجافه، وكان أبو سفيان أعطاه عشراً من الإبل علىٰ أن يثبط المسلمين ويخوفهم من المشركين، ففعل، وكان مما قال لهم يومئذ: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. فكره أكثر المسلمين الخروج بسبب إرجافه، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في سبعين فارساً، ورجعوا سالمين، فنزلت الآية ثناء علىٰ السبعين الذين خرجوا معه صلى الله عليه وآله وسلم غير مبالين بإرجاف من أرجف، وفي إطلاق لفظ الناس هنا علىٰ المفرد نكتة شريفة؛ لأن الثناء علىٰ السبعين الذين خرجوا مع النبي يكون بسببها أبلغ مما لو قال: الذين قال لهم رجل إن الناس قد جمعوا لكم. كما لا يخفىٰ.
ولهذه الآية نظائر في الكتاب والسنة وكلام العرب، قال الله تعالىٰ: ﴿ يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا ٱذْكُرُوا نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ [المائدة: 11]. وإنما كان الذي بسط يده إليهم رجل واحد من بني محارب يقال له غورث، وقيل إنما هو عمرو بن جحاش من بني النضير، استل السيف فهزه وهم أن يضرب به رسول الله، فمنعه الله عز وجل عن ذلك، في قضية أخرجها المحدثون وأهل الأخبار والمفسرون، وأوردها ابن هشام في غزوة ذات الرقاع من الجزء الثالث من «سيرته»، وقد اطلق الله سبحانه علىٰ ذلك الرجل، وهو مفرد، لفظ قوم، وهي للجماعة تعظيماً لنعمة الله عز وجل عليهم في سلامة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم وأطلق في آية المباهلة لفظ الأبناء والنساء والأنفس ــ وهي حقيقة في العموم ــ علىٰ الحسنين وفاطمة وعلي بالخصوص إجماعاً وقولاً واحداً تعظيماً لشأنهم ؟م، ونظائر ذلك لا تحصىٰ ولا تستقصىٰ، وهذا من الأدلة علىٰ جواز إطلاق لفظ الجماعة علىٰ المفرد إذا اقتضته نكتة بيانية.
وقد ذكر الإمام الطبرسي في تفسير الآية من «مجمع البيان»: أن النكتة في إطلاق لفظ الجمع علىٰ أمير المؤمنين تفخيمه وتعظيمه، وذلك أن أهل اللغة يعبرون بلفظ الجمع عن الواحد علىٰ سبيل التعظيم (قال): وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلىٰ الاستدلال عليه.
وذكر الزمخشري في «كشافه» نكتة أخرىٰ حيث قال: «فإن قلت كيف صح أن يكون لعلي رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة، قلت: جئ به علىٰ لفظ الجمع، وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً؛ ليرغب الناس في مثل فعله، فينالوا مثل نواله، ولينبه علىٰ أن سجية المؤمنين يجب أن تكون علىٰ هذه الغاية من الحرص علىٰ البر والإحسان، وتفقد الفقراء حتىٰ إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير، وهم في الصلاة، لم يؤخروه إلىٰ الفراغ منها» اهـ.
قلت عندي في ذلك نكتة ألطف وأدق، وهي أنه إنما أتىٰ بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بقيا منه تعالىٰ علىٰ كثير من الناس، فإن شانئي علي وأعداء بني هاشم وسائر المنافقين وأهل الحسد والتنافس، لا يطيقون أن يسمعوها بصيغة المفرد، إذ لا يبقىٰ لهم حينئذ مطمع في تمويه، ولا ملتمس في التضليل، فيكون منهم ــ بسبب يأسهم ــ حينئذ ما تخشىٰ عواقبه علىٰ الإسلام، فجاءت الآية بصيغة الجمع مع كونها للمفرد اتقاء من معرتهم، ثم كانت النصوص بعدها تترىٰ بعبارات مختلفة ومقامات متعددة، وبث فيهم أمر الولاية تدريجاً تدريجاً حتىٰ أكمل الله الدين وأتم النعمة، جريا منه صلى الله عليه وآله وسلم علىٰ عادة الحكماء في تبليغ الناس ما يشق عليهم، ولو كانت الآية بالعبارة المختصة بالمفرد، لجعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكباراً، وهذه الحكمة مطردة في كل ما جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين كما لا يخفىٰ، وقد أوضحنا هذه الجمل وأقمنا عليها الشواهد القاطعة، والبراهين الساطعة في كتابينا: «سبيل المؤمنين»، و«تنزيل الآيات»([1])، والحمد لله علىٰ الهداية والتوفيق، والسلام. «ش».
([1]) ذكر حسين الراضي ــ محقّق المراجعات ــ أن هذين الكتابين مما احترقا من كتب عبدالحسين الموسوي، ولم يطبعا، فكيف يحيل الشيخ البشري إلىٰ مجهول.