نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين 12
23-03-2023
نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [12]
ذكر عبدالحسين خمسين آيةً يستدلّ بها علىٰ فضل آل البيت وعلو مكانتهم ووجوب تقديمهم واتّباعهم والتّسليم لهم، ولا أرىٰ أن الآيات تدلّ علىٰ مطلوبه، وسرده للآيات علىٰ هـٰذا الوجه يتّفق مع رواية توجد في كتبهم، تقول: «إن القرآن نزل ثلاثة أثلاث: ثلثٌ فينا، وثلثٌ في عدونا، وثلثٌ أحكامٌ وفرائض»([1])، وقد أشار إليه الموسوي بقوله: «وقال غيره: نزل فيهم ربع القرآن»، وهذا ما نص عليه كثير من علماء الشيعة الذين صرحوا بالقول بتحريف القرآن وأن فضائلهم حذفت من القرآن، ويذكورن أمثلة لذلك من روايات تنسب إلى الأئمة رحمهم الله، وقد ذكر أكثرها النوري الطبرسي في كتابه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب».
فلا غرو ــ مع هـٰذه الرواية ــ أن تختزل كل هـٰذه الآيات في مجموعة قليلة من البشر، وأن يتكلف في فهم مراد الله تعالىٰ فيها، وتلوىٰ أعناقها لتتّفق مع اعتقاده.
ولعلّ الذي ذكره من الآيات التي يدّعون أنها في آل البيت وإمامتهم غيضٌ من فيض مما في كتبهم كما يظهر ذٰلك من كتب التفسير عندهم.
وأتساءل: ما الذي جعله يكتفي بذكر خمسين آيةً فقط، وهو يعلم أن علماءهم يرون ويروون أن ثلث القرآن نزل في الإمامة؟!
ومهما يكن من أمر؛ فها هو التفسير الصحيح المأثور لهـٰذه الآيات كما جاء عن سلف هـٰذه الأمّة في الكتب والمصادر المعتمدة:
[1] آية التّطهير: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33].
ابتداءً هذه الكلمات جزء من آية، أولها يخاطب الله نساء النبي ﷺ، وليست آية مستقلة كما يحاول أن يُلبِّس به علماء الشيعة.
والقول الصّواب في تأويل هذه الآية ما رواه الإمام مسلمٌ في «صحيحه» عن أمّ المؤمنين عائشة بنت الصّدّيق ؛ أنها قالت: خرج النّبي غداةً، وعليه مرطٌ مرحّلٌ من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمّ جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء علي فأدخله، ثمّ قال : ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]([2])، أي: إن النّبي قرأ هـٰذه الآية علىٰ أهل بيته، لا أنها نزلت فيهم خاصّةً رضي الله عنهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «مضمون هـٰذا الحديث أن النّبي دعا الله لهم بأن يذهب عنهم الرّجس ويطهّرهم تطهيراً، وغاية ذٰلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتّقين الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم، واجتناب الرّجس واجبٌ علىٰ المؤمنين، والطّهارة مأمورٌ بها كل مؤمن»([3]).
والشيعة يقولون من خلال هـٰذا الحديث: إن الله ــ تبارك وتعالىٰ ــ أراد أن يذهب عنهم الرّجس، وما يريده الله لا بدّ وأن يقع، فإذا أذهب الله عنهم الرّجس؛ صاروا معصومين، فإذا صاروا معصومين؛ تعين أن يكونوا هم الأولىٰ بالخلافة من غيرهم.
وهـٰكذا أراد عبدالحسين بذكره هـٰذه الآية هنا، فإن كان هـٰذا ما يقولون به ويعتقدونه؛ فإنه ادّعاءٌ لا يوافقون عليه لأمور كثيرة، منها:
أولاً: هـٰذه الآية التي تسمّىٰ آية التّطهير إنما نزلت في نساء النّبي كما قال الله تبارك وتعالىٰ ــ: ﴿يَانِسَاءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ ٱلنِّسَاءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلْأُولَى وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَاةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَٱذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزَاب: 32-34]، فالذي يراعي سياق هـٰذه الآيات؛ يوقن أنها في نساء النّبي خاصّةً.
وقد قرأت لهم إشكالاً علىٰ هـٰذه الآية وهو أن الله تبارك وتعالىٰ قال: ﴿ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ﴾ ولم يقل: (عنكنّ)، وقال عز وجل: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ﴾ ، ولم يقل: (ويطهّركنّ). فيقولون: لمّا جاء الضمير في هاتين الكلمتين بـ«ميم الجمع»، ولم يأت بنون النّسوة؛ دلّ علىٰ خروج نساء النّبي من التّطهير، ودخول علي وفاطمة والحسن والحسين؛ بدليل حديث الكساء.
وهـٰذا الاستدلال بعيدٌ جدّاً؛ لأن الآية متّصلةٌ، إذ قال الله تبارك وتعالىٰ: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: 33]، ثمّ أتبعها بالآية التي بعدها بقوله: ﴿ وَٱذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: 34]، وهي في الموضعين بــ (نون النّسوة) كما نرىٰ؛ فالخطاب كله في هـٰذه الآيات لنساء النّبي ، ورضي الله عنهنّ.
ثانياً: ذكر الله تعالىٰ ميم الجمع بدل نون النّسوة؛ لأن النّساء قد دخل معهنّ النّبي ، وهو رأس أهل بيته. ولهـٰذا نظائر في «القرآن الكريم» منها:
ما جاء عن زوجة إبراهيم ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هُود: 73]، والمراد هنا بأهل البيت: إبراهيم وزوجته.
وكذلك قوله تعالىٰ عن موسىٰ: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى ٱلْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [القَصَص: 29]، وكانت معه زوجته.
ففي قول الله تعالىٰ: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]، نجد كلمة ﴿عَنْكُمْ﴾ جاءت؛ لدخول النّبي مع نسائه في هـٰذه الآية، لا أن علياً والحسن والحسين دخلوا ضمن هـٰذه الآية، وإنما كان علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم من أهل بيت النّبي ، بدليل حديث الكساء، لا بدليل الآية. فحديث الكساء هو الذي يدلّ علىٰ أن علياً وفاطمة والحسن والحسين من آل بيت النّبي ؛ وذٰلك لمّا أدخلهم النّبي تحت الكساء، وقرأ: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]، فأدخلهم في أهل بيته .
ثمّ إن قوله تعالىٰ: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ ؛ ليس آيةً مستقلّةً، بل هو جزءٌ من آية تتكلم عن نساء النّبي ، وتبعتها آيةٌ تتكلم كذٰلك عنهنّ. وهـٰذا واضحٌ جدّاً لمن تأمّل هـٰذه الآية وقرأها قراءةً متأنيةً بتجرّد وإنصاف.
ثالثاً: إن وصف أو مفهوم أهل بيت النّبي يتعدّىٰ زوجات النّبي وعلياً والحسن والحسين وفاطمة إلىٰ غيرهم، كما في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه الذي رواه مسلمٌ في «صحيحه»، وفيه قوله : «أذكّركم الله في أهل بيتي» ثلاثاً. فقال له حصينٌ([4]): ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال زيدٌ: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده. قال حصينٌ: ومن هم؟ قال زيدٌ: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس. قال حصينٌ: كل هـٰؤلاء حرم الصّدقة؟ قال: نعم([5]).
إذاً قد دلّ هـٰذا الحديث الصّحيح علىٰ أن وصف أهل بيت النّبي يشمل: نساءه بدليل الآية، ويشمل علياً وفاطمة والحسن والحسين؛ بدليل حديث الكساء وحديث زيد بن أرقم السّابق، وقد تقدّم أن الحديثين في «صحيح مسلم». وآل عبّاس بن عبد المطّلب، وآل عقيل بن أبي طالب، وآل جعفر بن أبي طالب، وآل علي بن أبي طالب؛ بدليل حديث زيد بن أرقم.
وجميع بني هاشم، وهم كل من حرم الصّدقة؛ بدليل حديث عبدالمطّلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطّلب الذي رواه مسلمٌ أيضاً في «صحيحه»([6])، وفيه: قال عبدالمطّلب: اجتمع ربيعة بن الحارث والعبّاس بن عبدالمطّلب، فقالا: والله! لو بعثنا هـٰذين الغلامين ــ قالا لي وللفضل بن عبّاس([7]) ــ إلىٰ رسول الله فكلماه؛ فأمّرهما علىٰ هـٰذه الصّدقات؛ فأدّيا ما يؤدّي النّاس وأصابا ممّا يصيب النّاس. قال عبدالمطّلب: فبينما هما في ذٰلك؛ جاء علي بن أبي طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذٰلك؛ فقال علي: لا تفعلا؛ فوالله! ما هو بفاعل. فانتحاه ربيعة بن الحارث، فقال: والله! ما تصنع هـٰذا إلّا نفاسةً منك علينا، فوالله! لقد نلت صهر رسول الله فما نفسناه عليك. قال علي: أرسلوهما. فانطلقا، واضطجع علي. قال عبدالمطّلب: فلمّا صلّىٰ رسول الله الظّهر سبقناه إلىٰ الحجرة، فقمنا عندها حتّىٰ جاء، فأخذ بآذاننا، ثمّ قال : «أخرجا ما تصرّران».
ثمّ دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال عبدالمطّلب: فتواكلنا الكلام، ثمّ تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله! أنت أبرّ النّاس وأوصل النّاس، وقد بلغنا النّكاح، فجئنا لتؤمّرنا علىٰ بعض هـٰذه الصّدقات فنؤدّي إليك كما يؤدّي النّاس ونصيب كما يصيبون.
قال [عبدالمطّلب]: فسكت طويلاً حتّىٰ أردنا أن نكلمه، وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب: «أن لا تكلماه». ثمّ قال : «إن الصّدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنما هي أوساخ النّاس..»، إذاً فكل هـٰؤلاء هم أهل بيت النّبي .
رابعاً: الآية ليس فيها أن الله أذهب عنهم الرّجس؛ لأن هـٰذه الإرادة إرادةٌ شرعيةٌ، وهي إرادة المحبّة، وهي غير الإرادة القدرية، ومعناها أن الله يحبّ أن يذهب عنكم الرّجس، ولذٰلك جاء في بعض طرق حديث الكساء أن النّبي لمّا جلّلهم بالكساء قال: «اللّهمّ هـٰؤلاء أهل بيتي وخاصّتي؛ أذهب عنهم الرّجس، وطهّرهم تطهيراً»([8]).
فإذا كان الله أذهب عنهم الرجس؛ فلماذا يدعو لهم النّبي بإذهاب الرجس؟! ولا ريب أن دعاء النّبي ؛ دليلٌ علىٰ أن هـٰذه الإرادة إرادةٌ شرعيةٌ، مثل قول الله تبارك وتعالىٰ: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النِّسَاء: 26-28].
فكل هـٰذه الإرادات التي ذكرها الله تبارك وتعالىٰ إنما هي إراداتٌ شرعيةٌ، فالله يريد أن يخفّف عن النّاس جميعاً، ويريد أن يتوب علىٰ النّاس جميعاً، ولكن هل تاب علىٰ جميع النّاس؟ الجواب: لا؛ لأنه ما زال في النّاس مؤمنٌ وكافرٌ، ولم يتب الله علىٰ جميع النّاس؛ قال الله تعالىٰ: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [التّغَابُن: 2].
خامساً: إن الله ــ تبارك وتعالىٰ ــ يريد إذهاب الرّجس عن كل مؤمن ومؤمنة، وليس عن جماعة بعينها فقط؛ فقد قال تعالىٰ لنبيه : ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدَّثِّر: 4]، وهذا الأمر يشمل سائر الأمّة كما هو مقرّرٌ في أصول استنباط الأحكام، وأيضاً فقد أمر النّبي المسلم إذا أراد أن يصلّي أن يتوضّأ، وأن يتجنّب أماكن الوسخ.
سادساً: التّطهير ليس خاصّاً بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، بل هو واقعٌ لغيرهم أيضاً، كما في قوله تعالىٰ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التّوبَة: 103].
وقوله تعالىٰ: ﴿يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَاةِ فَٱغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَٱطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ ٱلنِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَٱمْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المَائدة: 6].
وقوله تعالىٰ لأهل بدر: ﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلْأَقْدَامَ﴾ [الأنفَال: 11].
فإذا كان الله ــ جلّ وعلا ــ ذكر التّطهير في آية من كتابه لخمسة من آل البيت؛ فقد ذكر التّطهير أيضاً في هذه الآية للبدريين الثلاثمئة وبضعة عشر.
وبناءً عليه؛ إن كانت آية الأحزاب تدلّ علىٰ عصمة الخمسة كما يقولون؛ فمقتضىٰ القياس واطّراده يقضي بأن آية الأنفال تدلّ علىٰ عصمة الثلاثمئة وبضعة عشر!!
سابعاً: إذهاب الرّجس عنهم لا يدلّ علىٰ أنهم الخلفاء بعد رسول الله ، بل نحن نوقن أن الله أذهب عن علي الرّجس، ولذٰلك صار مولىٰ المؤمنين، وكذٰلك فاطمة والحسن والحسين، وكذٰلك زوجات النّبي ، ولذٰلك سمّاهنّ الله عز وجل أمّهات المؤمنين، قال تعالىٰ: ﴿ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَى بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6].
وكذٰلك أصحاب النّبي ؛ فإن الله أذهب عنهم الرجس جميعاً بدليل الآيات التي ذكرتها سالفاً، فصاروا موالي المؤمنين، ثم إن إذهاب الرّجس عنهم لا يدلّ علىٰ العصمة، ولا علىٰ الإمامة من باب أولىٰ([9]).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالىٰ: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ : «عن ابن عبّاس: نزلت في نساء النّبي خاصّةً. قال عكرمة: من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النّبي ».
ثمّ قال: «فإن كان المراد أنهنّ كنّ سبب النّزول دون غيرهنّ فصحيحٌ، وإن أريد أنهنّ المراد فقط دون غيرهنّ؛ ففي هذا نظرٌ؛ فإنه قد وردت أحاديث تدلّ علىٰ أن المراد أعمّ من ذٰلك»([10]).
ثمّ ذكر ابن كثير ما يدلّ علىٰ أن علياً، وفاطمة، والحسن، والحسين، وآل علي، وآل عقيل وآل جعفر، وآل العبّاس؛ كلهم من آل البيت.
([1]) جاءت هـٰذه الرواية في كتاب «البرهان في تفسير القرآن» لهاشم البحراني الشيعي ــ المقدمة، باب فيما نزل عليه القرآن من أقسام ــ (ص158).
([2]) «صحيح مسلم» (2424). والمرط: بكسر الميم هو كساءٌ من صوف أو من خزّ يؤتزر به.
فانظر أيها المنصف! ها هي أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها! تروي فضائل آل البيت رضي الله عنهم، ومع هـٰذا يطعن فيها من لا يخاف الله تعالىٰ بحجّة محبة آل البيت؟! ومع هـٰذا يطعن فيها من لا يخاف الله تعالىٰ بحجّة محبّة وولاية آل البيت؟! وها هو الإمام مسلم رحمه الله يخرّج الحديث في «صحيحه» ولم يكتمه كما يفتري البعض علىٰ أئمّة أهل السّنّة، فالله المستعان.
([7]) القائل: «قالا لي» هو: عبدالمطّلب بن ربيعة، وقيل: اسمه المطّلب، والمعنىٰ: إن كلّاً من ربيعة والعبّاس أرسلا ولديهما: عبدالمطّلب والفضل إلىٰ رسول الله ﷺ ليطلبا عملاً يستعينان به علىٰ زواجهما.
([8]) أخرجه التّرمذي في «الجامع» (3787) وقال: «هـٰذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ».
([9]) انظر: تفصيل الرّدّ علىٰ هـٰذه الشّبهة في «مختصر التحفة الاثني عشرية» (ص149).