حديث : لا يحبنا ــ أهل البيت ــ إلا مؤمنٌ تقي
23-03-2023
[18] حديث: «لا يحبنا ــ أهل البيت ــ إلا مؤمنٌ تقي، ولا يبغضنا إلا منافقٌ شقي».
قال عبد الحسين: «أخرجه الملا كما في المقصد الثاني من مقاصد الآية 14 من الباب 11 من الصواعق».
قلت: من ذكروا هذا الكلام أوردوه معلّقاً دون إسناد كالطبري صاحب «ذخائر العقبىٰ» وهذا (الملا)، وصاحب «الصواعق»، فلا حجّة فيه ولا يسمّىٰ حديثاً؛ لأنه لا يوجد له إسنادٌ ينظر فيه ويتحقّق من رتبته من حيث القبول والرّدّ.
ولو سلّمنا جدلاً بصحّته فليس فيه ما يدلّ علىٰ أحقّية الاثني عشر بإمامة الأمّة دون غيرهم. وأمّا من جهة معناه؛ فلا ريب أن من يبغض أهل البيت مبتدعٌ ضالٌّ.
وكذا أيضاً الخطبة التي ذكرها لعلي رضي الله عنه، فليس فيها شيءٌ من ذلك.
والعجيب أنه بعد أن ذكر هـٰذه الأحاديث التي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ قال: «ومضامين هـٰذه الأحاديث كلها متواترةٌ»!!!
وذكر أبياتاً ونسبها للإمام الشّافعي وهي ليست له، بل هي لمحمد بن يوسف الشّافعي، وليس محمد بن إدريس الشّافعي؛ كما ذكر ذٰلك السّخاوي الشّافعي([1])، والحجّة ــ مع هـٰذا ــ إنما تكون بأحاديث محمد بن عبد الله .
وأما قوله: «جعل الصلاة عليهم جزءً من الصلاة المفروضة؛ فلا تصح بدونها صلاة أحد من العالمين»؛ فهذا الكلام فيه تفصيل، فالذي أجمعت عليه الأمة أن ذكرهم جزء من الصلاة المفروضة هم عامة المسلمين، في قوله في التشهد: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين».
أما الصلاة الإبراهيمية والتي فيها الصلاة على آل النبي؛ فقد اختلف فيها أهل العلم إلى أقوال أسوقها:
قال النووي رحمه الله عن حكم الصلاة على النبي ﷺ في التشهد: «فالصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير فرض بلا خلاف عندنا([2]) إلا ما سأذكره عن ابن المنذر، وفي وجوبها على الآل وجهان، وحكاهما إمام الحرمين والغزالي قولين، والمشهور وجهان (الصحيح) المنصوص، وبه قطع جمهور الأصحاب أنها لا تجب، والثاني تجب.. ولعل المصنف([3]) أراد بالآل الأهل، وهم الأزواج والذرية المذكورة في الحديث([4]).
ثم قال: «وأما أقل الصلاة فقال الشافعي والأصحاب هو أن يقول اللهم صل على محمد فلو قال صلى الله علي محمد فوجهان حكلاهما صاحب الحاوي قال وهما كالوجهين في قوله عليكم السلام والصحيح أنه يجزئه وبه قطع صاحب التهذيب وفي هذا دليل على أنه لو قال اللهم صل على النبي أو على أحمد أجزأه»([5]).
وهي واجبة في صحيح المذهب، وهو قول الشافعي وإسحاق. وعن أحمد أنها غير واجبة. قال المروذي: قيل لأبي عبد الله. إن ابن راهويه يقول: لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي ﷺ في التشهد، بطلت صلاته. قال: ما أجترئ أن أقول هذا. وقال في موضع: هذا شذوذ. وهذا يدل على أنه لم يوجبها.
وهذا قول مالك، والثوري، وأصحاب الرأي، وأكثر أهل العلم. قال ابن المنذر: هو قول جل أهل العلم إلا الشافعي. وكان إسحاق يقول: لا يجزئه إذا ترك ذلك عامداً. قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول؛ لأنني لا أجد الدلالة موجودة في إيجاب الإعادة عليه.
قال ابن المنذر: هو قول جل أهل العلم إلا الشافعي. وكان إسحاق يقول: لا يجزئه إذا ترك ذلك عامدا. قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول؛ لأنني لا أجد الدلالة موجودة في إيجاب الإعادة عليه.
قال ابن قدامة رحمه الله: «وظاهر مذهب أحمد رحمه الله وجوبه؛ فإن أبا زرعة الدمشقي نقل عن أحمد، أنه قال: كنت أتهيب ذلك، ثم تبينت، فإذا الصلاة واجبة. فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول إلى هذا؛ لما روى كعب بن عجرة، قال: إن النبي ﷺ خرج علينا فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» متفق عليه.
قال القاضي أبو يعلى: ظاهر كلام أحمد أن الصلاة واجبة على النبي ﷺ حسب؛ لقوله في خبر أبي زرعة: الصلاة على النبي ﷺ أمر، من تركها أعاد الصلاة، ولم يذكر الصلاة على آله. وهذا مذهب الشافعي. ولهم في وجوب الصلاة على آله وجهان. وقال بعض أصحابنا: تجب الصلاة على الوجه الذي في خبر كعب؛ لأنه أمر به، والأمر يقتضي الوجوب. والأول أولى، والنبي ﷺ إنما أمرهم بهذا حين سألوه تعليمهم، ولم يبتدئهم به»([6]).
وقال ابن القيم رحمه الله عن الصلاة على النبي ﷺ في التشهد: «وقد أجمع المسلمون على مشروعيته واختلفوا في وجوبه»، وذكر قولين:
القول الأول: ليس بواجب فيها، ونسبوا من أوجبه إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع، كالطحاوي والقاضي عياض والخطابي، وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي، وذكر ابن المنذر أن الشافعي تفرد بذلك واختار عدم الوجوب.
واستدلوا بأن كل من روى التشهد عن النبي ﷺ كابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس وجابر وابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي موسى الأشعري وعبدالله بن الزبير؛ لم يذكروا فيه الصلاة على النبي ﷺ.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه ﷺ علمه التشهد فقال: «التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول عبده ورسوله، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو»([7]).
والقول الثاني: الوجوب، قاله ابن راهويه والشافعي، قيل لأحمد بن حنبل: إن ابن راهويه يقول: لو أن رجلاً ترك الصلاة على النبي في التشهد بطلت صلاته، قال: «ما أجترئ أقول هذا»، وقال مرة: «هذا شذوذ».
وفي مسائل أبي زرعة الدمشقي، قال أحمد: «كنت أتهيب ذلك، ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي واجبة»([8]).
([3]) يعني الشيرازي صاحب كتاب «المهذب».
([4]) أخرجه البخاري (3369)، ومسلم (407)، من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.
([5]) «المجموع» للنووي (3/463 ــ 464).
([6]) «المغني» لابن قدامة (1/398).
([7]) أخرجه البخاري (835)، ومسلم (402).
([8]) انظر: «جلاء الأفهام» لابن القيم ص327، «القول البديع» للسخاوي ص24.