حديث : من مات علىٰ حبّ آل محمد مات شهيداً
23-03-2023
[17] حديث: «من مات علىٰ حبّ آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات علىٰ حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات علىٰ حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات علىٰ حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات علىٰ حب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات علىٰ حب آل محمد يزف إلىٰ الجنة كما تزف العروس إلىٰ بيت زوجها، ألا ومن مات علىٰ حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلىٰ الجنة، ألا ومن مات علىٰ حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات علىٰ حب آل محمد مات علىٰ السنّة والجماعة، ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله ..».
هذا الكلام لم يعزه عبدالحسين إلىٰ كتاب من كتب الحديث! وإنما قال: «أخرجها الإمام الثّعلبي في تفسير آية المودة من تفسيره الكبير، عن جرير بن عبد الله البجلي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأرسلها الزّمخشري في تفسير الآية من «كشّافه» إرسال المسلّمات، فراجع» ؟!
وقبل بيان أن هذا الحديث موضوع مكذوبٌ، أشير إلىٰ أمور:
أولاً: إن كتاب الثّعلبي لم يطبع في حياة عبدالحسين الشيعي، فمن أين علم أن الثّعلبي أخرج هذا الحديث عن جرير رضي الله عنه؟ فإن كان وقف علىٰ أصله الخطّي، فقد كتم علماً، وكاتم العلم يلجم بلجام من نار يوم القيامة كما قال النّبي ([1])، وإلّا فلماذا لم يسق إسناده، لننظر فيه ونتأكّد من صحّته؟
ثانياً: قوله: «وأرسلها الزّمخشري في تفسير الآية من «كشّافه» إرسال المسلّمات»، أي جزم به؛ فليس ذلك دليلاً علىٰ صحّة الحديث؛ لأن العبرة بصحّة رجال الإسناد، كما أن العزو إلىٰ تفسير الزّمخشري ليس بشيء؛ لأنه ليس من رجال الحديث.
وقال العلّامة الألباني: «وهذا من جهله أو تجاهله، بل وتضليله للقراء؛ فإن أهل العلم يعلمون أن الزمخشري في الحديث كالغزالي؛ لا يوثق بهما في الحديث؛ لأنهما غريبان عنه، فكم من أحاديث ضعيفة وموضوعة في تفسيره، ولذلك وضع عليه الحافظ الزّيلعي تخريجاً لأحاديثه، ثمّ لخّصه الحافظ ابن حجر([2])»([3]).
ثالثاً: إن تفسير الثّعلبي المقصود هو المسمّىٰ بــ«الكشف والبيان عن تفسير القرآن»، وهو تفسيرٌ لا يعتدّ به؛ لأن مؤلّفه الثّعلبي، وهو أحمد بن إبراهيم النّيسابوري، المتوفّىٰ سنة (427 هـ)، وقد بين الدكتور محمد حسين الذهبي: أنه لم يتحرّ الصّحّة في كل ما ينقل من تفاسير السّلف([4])، بل نجده يكثر من الرواية عن السّدّي الصّغير، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وهي سلسلة الكذب، كما قال السّيوطي([5]).
ثم قال الدكتور محمد الذهبي رحمه الله: «ووقع فيما وقع فيه كثيرٌ من المفسّرين من الاغترار بالأحاديث الموضوعة في فضائل القرآن سورةً سورةً المنسوبة إلىٰ أبي بن كعب، كما أنه اغترّ بكثير من الأحاديث الموضوعة علىٰ ألسنة الشيعة فسوّد بها كتابه دون أن يشير إلىٰ وضعها واختلاقها، وفي هـٰذا يدلّ علىٰ أن الثعلبي لم يكن له باعٌ في معرفة صحيح الأخبار من سقيمها».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والثّعلبي هو في نفسه كان فيه خيرٌ ودينٌ، وكان حاطب ليل، ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع»([6]).
وقال أيضاً: «فيه سلامةٌ من البدع وإن ذكرها تقليداً لغيره، وتفسيره وتفسير الواحدي البسيط والوسيط والوجيز فيها فوائد جليلةٌ، وفيها غثٌّ كثيرٌ من المنقولات الباطلة وغيرها»([7]).
وقال الكتاني: «لم يكن له ولا لشيخه الثّعلبي كبير بضاعة في الحديث، بل في تفسيرهما ــ وخصوصاً الثعلبي ــ أحاديث موضوعةٌ وقصصٌ باطلةٌ»([8]).
وهذا هو إسناد الثعلبي([9]): أخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الأصبهاني، أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين البلخي، حدثنا يعقوب بن يوسف بن إسحاق، حدثنا محمد بن أسلم الطوسي، حدثنا يعلي بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي، به.
وذكره الزّمخشري في تفسيره دون إسناد([10])!!
وقال الحافظ ابن حجر: «وآثار الوضع عليه لائحةٌ.. والآفة فيه ما بين الثعلبي ومحمد»([11]).
وقال ابن حجر الهيتمي: «أخرجه مبسوطاً الثّعلبي في تفسيره»([12]).
وقال الألباني: «باطلٌ موضوع»([13]).
([2]) في كتابه «الكاف الشافِ في تخريج أحاديث الكشاف».
([3]) «السّلسلة الضّعيفة» (10/579 ــ 580).
([4]) «التّفسير والمفسّرون» (1/227 ــ 234).
([5]) انظر: «الإتقان» (4/186).
([6]) «مجموع الفتاوىٰ» (13/354).
([8]) «الرسالة المستطرفة» (ص79).
([9]) «الكشف والبيان» (8/314).
([11]) «الكاف الشّاف في تخريج أحاديث الكشّاف» (ص145).