[14] حديث أبي سعيد: «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجلٌ إلا دخل النّار».

هذا الحديث ذكره الشيعي في الحاشية دون إسناد، وقال: «وأخرج الحاكم وابن حبان في «صحيحه» كما في «أربعين» النبهاني، و«إحياء» السيوطي، عن أبي سعيد»

قلت: روي الحديث من ثلاث طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ كلها ضعيفةٌ:

الطّريق الأولىٰ: رواية عطية العوفي، عن أبي سعيد رضي الله عنه.

أخرجها البزّار في «مسنده»([1]) واللفظ له، والحاكم([2])، كلاهما من طريق إسحاق بن إبراهيم، قال: حدّثنا داود بن عبدالحميد، قال: حدّثنا عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قتل قتيلٌ علىٰ عهد رسول الله ، فصعد النّبي  خطيباً، فقال: «أما تعلمون من قتل هذا القتيل بين أظهركم؟» ثلاث مرّات، قالوا: اللّهمّ لا. فقال: «والّذي نفس محمد بيده! لو أن أهل السّموات وأهل الأرض اجتمعوا علىٰ قتل مؤمن؛ أدخلهم الله جميعاً جهنّم، ولا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلّا كبّه الله في النّار».

وهذا الحديث سكت عنه الحاكم، وتعقّبه الذهبي بقوله: «خبرٌ واه».

وقال البزّار: «أحاديث داود عن عمرو لا نعلم أحداً تابعه عليها».

وقال الهيثمي: «رواه التّرمذي باختصار»([3]).

قلت: هذا الطريق ضعيف جدّاً، فيه عدّة ضعفاء:

الأول: داود بن عبدالحميد، ضعّفه البزّار كما تقدّم في تعقيبه علىٰ الحديث، وكذا الهيثمي حيث أورد هذا الحديث في «المجمع»([4])، وقال: «فيه داود بن عبدالحميد، وغيره من الضّعفاء([5])». وقال أبو حاتم ــ وقد سئل عنه ــ: «لا أعرفه، وهو ضعيف الحديث، يدلّ حديثه علىٰ ضعفه»([6]). وقال العقيلي: «عن عمرو بن قيس الملائي بأحاديث لا يتابع عليها»([7]).

الثاني: وهو الأشدّ ضعفاً عطية العوفي، وهو شيعي ضعيف، خاصّةً في روايته عن أبي سعيد الخدري عند جماهير المحدّثين([8])، وهذه الزّيادة التي في آخر الحديث في نصرة تشيعه، وهو مع ضعفه أيضاً مدلّسٌ؛ كما قال الحافظ ابن حجر: «صدوقٌ، يخطئ كثيراً، وكان شيعيا مدلّساً»([9])، وقال أيضاً: «ضعيف الحفظ، مشهورٌ بالتّدليس القبيح»([10]).

وقد ضعّف الحديث كلٌ من البزّار والهيثمي والذهبي وأبي حاتم والعقيلي والألباني([11]).

الطريق الثانية: رواية أبي المتوكّل علي بن داود النّاجي، عن أبي سعيد رضي الله عنه.

أخرجها ابن حبّان([12])، قال: أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطّان بالرّقّة، قال: حدّثنا هشام بن عمّار، قال: حدّثنا أسد بن موسىٰ، قال: حدّثنا سليم بن حيان، عن أبي المتوكّل النّاجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله : «والّذي نفسي بيده! لا يبغضنا أهل البيت رجلٌ إلّا أدخله الله النّار».

قلت: هذا حديثٌ ضعيف، فيه عدّة علل:

الأولىٰ: هشام بن عمّار؛ مختلفٌ فيه؛ قال أبو حاتم: «لمّا كبر تغير، وكل ما دفع إليه قرأه، وكل ما لقّن تلقّن، وكان قديماً أصحّ.. صدوقٌ»([13]).

وقال أبو داود: «أبو أيوب ــ يعني سليمان ابن بنت شرحبيل ــ خيرٌ منه. يعني من هشام؛ حدّث هشامٌ بأرجح من أربعمائة حديث، ليس لها أصلٌ مسندةٌ، كان فضلك([14]) يدور علىٰ أحاديث أبي مسهر وغيره، يلقّنها هشام بن عمّار. قال هشامٌ: «حديثي قد روي، فلا أبالي من حمل الخطأ»([15]).

وقد لخّص حاله الحافظ ابن حجر فقال: «صدوقٌ مقرئٌ، كبر فصار يتلقّن؛ فحديثه القديم أصحّ»([16]).

الثانية: أسد بن موسىٰ بن إبراهيم القرشي الأموي؛ هو أيضاً مختلفٌ فيه؛ وقال الحافظ: «صدوقٌ يغرب، متّهمٌ بالنّصب»([17]). أقول: فكيف يروي النّاصبي فضائل أهل البيت؟! فهذا قطعاً يؤكّد أن هشاماً لقّن هذا الحديث بهذا الإسناد من أحد الشيعة.

وقد ألمح الألباني لضعف هذه الطريق([18]) فقال: «رجاله ثقاتٌ، علىٰ ضعف في هشام بن عمّار لتلقّنه». نعم، قد صحّح الألباني طريق الحاكم وهي الطريق الثّالثة، بل وافقه أيضاً علىٰ كونها علىٰ شرط مسلم، وقد جانبهما الصواب؛ لكونها طريقاً معلّةً كما سيأتي.

الطّريق الثالثة: رواية أبي نضرة المنذر بن مالك العبدي، عن أبي سعيد رضي الله عنه.

أخرجها الحاكم([19])، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصّفّار، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسن الأصبهاني، قال: حدّثنا محمد بن بكير الحضرمي، قال: حدّثنا محمد بن فضيل الضّبّي، قال: حدّثنا أبان بن جعفر بن ثعلب، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : «والذي نفسي بيده! لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلّا أدخله الله النّار».

قال الحاكم: «حديثٌ صحيحٌ علىٰ شرط مسلم، ولم يخرّجاه». ولم يتعقّبه الذهبي بشيء في «تلخيص المستدرك»!

قلت: الحديث ليس صحيحاً علىٰ شرط مسلم كما قال الحاكم والألباني؛ لكون محمد بن بكير ليس من رجال مسلم، بل هو حديثٌ ضعيف، فيه أبان بن جعفر بن ثعلب ولم أجد له ذكراً في كتب الرجال المطبوعة، فهو مجهولٌ لا يعرف، وعليه فالإسناد ضعيف منقطعٌ.

وقد أورد الألباني هذا الحديث([20])، وذكر في الإسناد أبان بن تغلب بدلاً من أبان بن جعفر بن ثعلب؛ دون أن يبين سبب الإبدال، ومن ثمّ وافق الحاكم علىٰ تصحيحه. فإن كان الإسناد أصابه التّحريف ــ كما هو الظّاهر من صنيع الحاكم والألباني والذهبي([21]) وأن الصّواب فيه: أبان بن تغلب؛ فهو وإن كان مختلفاً فيه والأكثر علىٰ توثيقه، إلّا أنه يعلّ به الحديث؛ لأنه شيعي، والحديث في نصرة بدعته([22]).

وعلىٰ كل حال؛ فالحديث لا يماري في صحّة معناه أحدٌ، وهو أن حبّ أهل بيت النّبي  من أسباب دخول الجنّة، وبغضهم من أسباب دخول النّار، ويكفينا ويغنينا عن هذا الحديث الضّعيف ما ثبت في «الصّحيح» من حديث علي رضي الله عنه، أنه قال: «والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة! إنه لعهد النّبي الأمّي  إلي، أن لا يحبّني إلّا مؤمنٌ، ولا يبغضني إلّا منافقٌ»([23]).

 

([1])        كما في «كشف الأستار» للهيثمي (3348).

([2])       «المستدرك» (4/352).

([3])       وفيها اختلاف بإسنادها، وليس فيها ذكر «أهل البيت»: قال الترمذي: حدّثنا الحسين ابن حريث، قال: حدّثنا الفضل بن موسىٰ، عن الحسين بن واقد، عن يزيد الرّقاشـي، قال: حدّثنا أبو الحكـم البجلي، قال: سمعت أبا سعيد الخدري وأبا هريرة يذكران عن رسول الله  ﷺ قال: «لو أن أهل السّماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النّار». وقال أبو عيسىٰ التّرمذي: «هذا حديثٌ غريبٌ». «جامع الترمذي» (1459).

([4])       «مجمع الزوائد» (7/296).

([5])       يريد الهيثمي بغيره من الضعفاء: عطية العوفي.

([6])       «الجرح والتعديل» (1911).

([7])        «الضعفاء الكبير» (464).

([8])       انظر الكلام فيه مبسوطاً في المراجعة رقم (8) عند تخريج الحديث (2).

([9])       «تقريب التهذيب» (4649).

([10])     «تعريف أهل التقديس» (122).

([11])      «السلسلة الضعيفة» (11/618).

([12])     «صحيح ابن حبان» (6978).

([13])     «الجرح والتعديل» (9/66 ــ 67).

([14])     فضلك: هو الفضل بن عبّاس. ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (12/630).

([15])     «سؤالات الآجري أبا داود» (1567). وقال أيضاً أبو داود كما في «سير أعلام النّبلاء» للذهبي (11/424): «كان فضلك يدور بدمشق علىٰ أحاديث أبي مسهر والشّيوخ يلقّنها هشام بن عمّار، فيحدّثه بها، وكنت أخشىٰ أن يفتق في الإسلام فتقاً».

([16])     «تقريب التهذيب» (7353).

([17])     «تقريب التهذيب» (403).

([18])     «السلسلة الصحيحة» (5/644).

([19])     «المستدرك» (3/150).

([20])    «السلسلة الصحيحة» (5/643).

([21])     «سير أعلام النبلاء» (2/123).

([22])    ولم يك رافضياً، كما نصّ علىٰ ذٰلك الذهبي بقوله: «شيعيٌ جلدٌ». «ميزان الاعتدال» (2).

([23])    أخرجه مسلم (78).