حديث: فلو أن رجلاً صفن
23-03-2023
[13] حديث: «فلو أن رجلاً صفن ــ صف قدميه ــ بين الرّكن والمقام، فصلّىٰ وصام، وهو مبغضٌ لآل محمد؛ دخل النّار».
هذا حديثٌ ضعيف، أخرجه الطّبراني في «المعجم الكبير»، والحاكم في «المستدرك»، كلاهما من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه؛ وكلاهما ضعيف كما سيأتي.
أولاً: رواية الطّبراني([1])، قال: حدّثنا العبّاس بن الفضل الأسفاطي، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدّثني أبي، عن حميد بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله :«يا بني عبدالمطّلب! إني سألت الله لكم ثلاثاً: سألته أن يثبّت قائمكم ويعلّم جاهلكم ويهدي ضالّكم، وسألته أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلا صفن([2]) بين الرّكن والمقام وصلّىٰ وصام، ثمّ مات وهو مبغضٌ لأهل بيت محمد ورضي عنهم دخل النّار».
ثانياً: رواية الحاكم([3])، قال: حدّثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد بن إبراهيم الحافظ الأسدي بهمذان، قال: حدّثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدّثنا أبي، عن حميد بن قيس المكّي، عن عطاء بن أبي رباح وغيره من أصحاب ابن عبّاس، عن عبد الله بن عبّاس أن رسول الله قال: «يا بني عبد المطّلب! إني سألت الله لكم ثلاثاً: أن يثبّت قائمكم، وأن يهدي ضالّكم، وأن يعلّم جاهلكم. وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلا صفن بين الرّكن والمقام فصلّىٰ وصام، ثمّ لقي الله وهو مبغضٌ لأهل بيت محمد؛ دخل النّار».
قال الحاكم عقبه: «هـٰذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ علىٰ شرط مسلم، ولم يخرّجاه».
دراسة إسناد الحديث:
الحديث أخرجه الطّبراني في «الكبير»، والحاكم في «المستدرك» ــ كما تقدّم ــ كلاهما من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه؛ وهما ضعيفان كما سيأتي، وها هو كلام النّقّاد فيهما:
أمّا إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس، أبو عبدالله، ابن أبي أويس، المدني، الأصبحي، فقد اختلف فيه النّقّاد:
المعدّلون:
خرّج له الشّيخان؛ ولكن ليس علىٰ سبيل الاحتجاج المطلق، يوضّح هذا قول الحافظ ابن حجر: «احتجّ به الشّيخان إلّا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه، ولا أخرج له البخاري مما تفرّد به سوىٰ حديثين.
وأمّا مسلم؛ فأخرج له أقلّ مما أخرج له البخاري، وروىٰ له الباقون سوىٰ النّسائي فإنه أطلق القول بضعفه، وروىٰ عن سلمة بن شبيب ما يوجب طرح روايته.. وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن إسماعيل أخرج له أصوله([4]) وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلّم([5]) له علىٰ ما يحدّث به؛ ليحدّث به ويعرض عمّا سواه. وهو مشعرٌ بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه؛ لأنه كتب من أصوله، وعلىٰ هذا لا يحتجّ بشيء من حديثه غير ما في «الصّحيح»؛ من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلّا إن شاركه فيه غيره فيعتبر فيه»([6]).
وقال أحمد: «لا بأس به.. وأبوه ضعيف الحديث»([7]).
وقال ابن معين: «صدوقٌ، ضعيف العقل، ليس بذاك»([8])، وقال مرةً: «لا بأس به»([9]). وسيأتي ــ في فقرة المجرحين له ــ أن ابن معين جرّحه في روايات كثيرة بكلام قوي مفسّر. وقال أبو حاتم: «محلّه الصّدق، وكان مغفّلاً»([10]).
وذكره ابن حبّان في «الثّقات»([11]). وهو متساهلٌ في التّوثيق.
وقال الحافظ: «صدوقٌ، أخطأ في أحاديث من حفظه»([12]).
المجرّحون:
قال ابن معين: «ليس بذاك»([13])، وقال مرةً: «هو وأبوه يسرقان الحديث»([14])، وقال أيضاً: «لا يساوي فلسين»([15])، وقال: «مخلّطٌ، يكذب، ليس بشيء»([16])، وقال:«ضعيف، أضعف النّاس، لا يحلّ لمسلم أن يحدّث عنه بشيء»([17]).
وقال الحسين بن فهم: «ثلاثةٌ أثباتٌ، كانت عند يحيىٰ بن معين من أشرّ قوم: المحبّر بن قحذم وولده، وعلي بن عاصم وولده، وابن أبي أويس، كلهم كانوا عنده ضعافاً جدّاً»([18]).
وقال النّسائي: «ضعيف»([19]). وقال النّضر بن سلمة المروزي: «كذّابٌ؛ كان يحدّث عن مالك بمسائل ابن وهب»([20]).
وقال ابن عدي: «وروىٰ عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحدٌ»([21]).
وقال الدّارقطني: «لا أختاره في الصّحيح»([22])، وقال أيضاً: «ضعيف، رماه النّسائي، صنع حكايةً عنه، فلا يحتجّ براويته إذا انفرد عن سليمان يعني ابن بلال، ولا عن غيره، فلا تقبل زيادة ابن أبي أويس عن سليمان إذا انفرد بها»([23]).
وقال أيضاً: «ذكر محمد بن موسىٰ الهاشمي ــ وهو أحد الأئمّة وكان النّسائي يخصّه بما لم يخصّ به ولده ــ فذكر عن أبي عبدالرّحمن [النّسائي] قال: «حكىٰ لي سلمة بن شبيب». قال ثمّ توقّف أبو عبدالرّحمن، قال: فما زلت بعد أداريه أن يحكي لي الحكاية حتّىٰ قال: «قال لي سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: «ربّما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم». قال البرقاني: قلت للدّارقطني من حكىٰ لك هذا عن محمد بن موسىٰ؟ قال: الوزير، كتبتها من كتابه وقرأتها عليه. يعني بالوزير الحافظ الجليل جعفر بن حنزابه»([24]).
وقال الذهبي: «فيه لينٌ»([25]).
فالحاصل من هذا الاختلاف أن إسماعيل ضعيف فيما انفرد به خارج «الصّحيحين»، وهذا الحديث مما انفرد به إسماعيل خارج «الصّحيحين»، ولم يتابعه أحدٌ لا بإسناد صحيح ولا ضعيف؛ فالحديث إذاً ضعيف، وقد حكم عليه أبو حاتم بالنّكارة([26])، وبناءً عليه يكون تصحيح الحاكم له ليس له حظٌّ من الصّحّة، وليس علىٰ شرط مسلم كما ذكر.
وأمّا أبوه: عبد الله بن عبد الله بن أويس، أبو أويس المدني، الأصبحي؛ فقد اختلف فيه النّقّاد([27])، بل اختلف فيه قول النّاقد الواحد([28])، وقال الحافظ ملخّصاً أقوالهم فيه: «صدوقٌ يهم»([29]).
والرّاجح ضعفه فيما ينفرد به، خاصّةً في رواية ابنه عنه. وتقبل روايته فيما دون ذلك في الشواهد والمتابعات، كما فعل مسلمٌ حيث روىٰ له ما توبع فيه.
وبما سبق؛ تبين ضعف هذا الحديث.
([1]) «المعجم الكبير» (11/142).
([2]) أي: قام، كل صافّ قدميه قائماً فهو صافنٌ. كما في «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (3/39).
([3]) «المستدرك» (3/148 ــ 149).
([4]) أي إسماعيل أخرج للبخاري كتبه التي سجّل فيها مروياته.
([5]) أي إسماعيل يعلّم للبخاري.
([7]) «الجرح والتعديل» (2/180)، وزاد أحمد في رواية أخرىٰ: «وأبوه ضعيف الحديث» كما في «الكامل في الضعفاء» (1/323)، (4/182).
([8]) «تاريخ ابن أبي خيثمة» (368)، «ميزان الاعتدال» للذهبي (854).
([9]) «تاريخ الدّارمي عن ابن معين» (930، 931).
([10]) «الجرح والتعديل» (2/180).
([13]) «تاريخ ابن أبي خيثمة» (368)، «ميزان الاعتدال» (854).
([14]) «الكامل في الضعفاء» (1/323).
([15]) «ميزان الاعتدال» (854).
([16]) «سؤالات ابن الجنيد» (172، 173، 174).
([17]) «سؤالات ابن محرز» (121).
([18]) «تاريخ بغداد» (14/172).
([19]) «الضعفاء والمتروكون» (44).
([20]) «ميزان الاعتدال» (854)، باختصار وتصرّف طفيف.
([23]) «الإلزامات والتتبع» (ص 354، 355).
([24]) «تهذيب التهذيب» (1/158).
([25]) «ميزان الاعتدال» (854).
([27]) «من تكلم فيه وهو موثّقٌ» للذهبي (188).
([28]) الأقوال فيه علىٰ النّحو الذي ذكرته كثيرةٌ جدّاً، ولولا الإطالة لنقلتها، فلينظرها من شاء في «تهذيب الكمال» (15/168 ــ 171).