الفَصلُ الثَّانِي

الأَدلَّةُ العَقليةُ لِمن قالَ بأَولَوِيَّةِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ بِالخِلافةِ قَبْلَ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمانَ والرَّدُّ عَليها

 

الدَّليلُ الأَولُ

أنَّه كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ بَعدَ رَسُولِ  اللهِ

  لَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيّاً كَانَ مِن شُجْعَانِ الصَّحَابةِ، بَلْ كَانَ أسداً من أُسْدِ  اللهِ، وَسيفاً من سُيُوفِ  اللهِ سَلَّه عَلىَٰ المُشْرِكِينَ، وَلَيسَ الكَلَامُ في هَذَا، وَلَكن الكَلَامَ في تَقدُّمِه في الشَجاعةِ عَلَىٰ جَميع أَصَحَابِ النَّبيِّ.

  وَهَذَا لَا يُسلَّمُ؛ وَذَلِكَ أنَّ الشَّجَاعة تُفَسَّرُ بِشيئَينِ:

  أحدِهِما: قُوَّةُ القلْبِ والثَّبَات. والثَّانِي: شِدَّةُ القِتَالِ بِالبَدَنِ.

  فَالأَوَّلُ: هُو الشَّجَاعَةُ. أَمَّا الثَّانِي: فِيَدُلُّ عَلَىٰ قُوَّةِ البَدَنِ، وَلَيْسَ كُلُّ من كَانَ قَويَّ البَدَنِ كانَ قَوِيَّ القَلْبِ والعكْسُ صَحِيحٌ، وَلِذَلِكَ تَجدُ بَعْضَهم يَقْتُلُ كَثِيراً إِذَا كانَ مَعَ جَمَاعةٍ تَؤَمِّنُه بَيْنَمَا تَجِدُه يَنْخَلِعُ قَلْبُهُ وَيَجْبُنُ إذا كان وحدَهُ، وَتَجدُ الرَّجلَ الثَّابتَ القَلْبِ الَّذِي لَم يَقْتُلْ بِيَدَيه كَثِيراً ثابتاً في المَخَاوفِ مِقْدَاماً عَلَىٰ المَكَارِه، وَهَذِه الخصلَةُ يُحْتَاجُ إِليها في أمَرَاءِ الحُرُوبِ وَقُوّادِه وَمُقدَّمِيه أكثْر من الأوْلَىٰ.

  والنَّبيُّ كان أكْمَلَ النَّاسِ في هَذِه الشَّجَاعة الَّتي هِي المَقْصُودةُ في أُمَرَاءِ الحُرُوبِ، وَمَع هَذَا لَمْ يَقْتُلْ إِلَّا رَجُلاً وَاحِداً، وَهُو أُبيُّ بنُ خَلَفٍ. وَكَانَ عَلَيٌّ وَغيرُه يَتَّقُونَ ويحتمون بِرَسُولِ  اللهِ؛ لأنَّه أَشْجَعُ مِنهم([1]) وَإِن كَانَ أَحَدُهُم قَد قَتَلَ بِيدِه أكثَرَ مِنَ النَّبيِّ. وَبعدَ رَسُولِ  اللهِ في الشجاعةِ أَبُو بَكْرٍ؛ لأنَّه بَاشَرَ الأَهْوَالَ الَّتِي كَانَ يُبَاشِرُهَا النَّبيُّ وَلَم يَجْبُنْ، وكان يَقِي بِنَفْسِه رَسُولَ  اللهِ كَمَا في الهِجْرَةِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَه بِيدِهِ وَلِسَانِه، وَفي بَدْرٍ كانَ مَع النَّبيِّ في العَرِيشِ مَعَ عِلْمِه أَنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا يَقْصدُونَ النَّبيَّ، وَأَمَّا القَتْلُ فَهُنَاكَ مِنَ الصَّحَابةِ مِثْلُ خَالدِ بنِ الوَلِيدِ، وَالبرَاءِ بنِ مَالكٍ قَتَلا أكْثَرَ مِمَّن قَتَلَهُم عَلِيٌّ. وَهُنَاكِ مَنْ كَانَ مِثْلَه؛ كَالزُّبَيرِ، وَطلْحَةَ، وَسَعْدٍ.

 

([1])    روىٰ المجلسي عن علي: أنه كان يلوذ برسول  الله يوم بدر. «بحار الأنوار» (١٦/٢٣٢).