المَبحثُ الثَّامِنُ

حديث الاثني عَشَر إماماً

  يَسْتَدِلُّون كَثِيراً بِحَدِيثِ الاثني عَشَر، وَلَه أَلْفَاظٌ عِدَّةٌ فِي الصَّحِيحَينِ وغَيرِهِما، فمنها:

  ــــ «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً كُلُّهم مِن قُرَيشٍ»([1]).

  ــــ «لَا يَزَالُ الإِسْلَامُ عَزِيزاً إِلَىٰ اثْنَي عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ»([2]).

  ــــ «لَا يزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزاً مَنِيعاً إِلَىٰ اثْنَي عَشَرَ رَجُلاً»([3]).

  ــــ «لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِماً حَتَّىٰ يَكُونَ عَلَيكُم اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُم تَجْتَمِعُ عَلَيهِم الأُمَّةُ»([4]). وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

  أولاً: الحَدِيثُ فِيه أَنَّ الدِّينَ يَكُونُ عَزِيزاً فَتْرَةَ خِلافَتِهِم ثُمَّ يَزُولُ هَذَا العِزُّ. فَمَتَىٰ العِزُّ؟ وَمَتَىٰ الذُّلُ؟

  الشِّيعَةُ تَقُولُ: لَم يَكُن الدِّينُ عَزِيزاً أَبَداً فِي خِلَافَةِ مَنْ سَبَقَ، بَلْ كَانَ أَئِمَّتُهُم مُسْتَتِرِينَ خَائِفِينَ يَتَعَامَلُونَ بِالتَّقِيَّةِ، بَلْ يَرَونَ أَنَّ الأَمْرَ كَانَ فَاسِداً زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، بَلْ إِنَّ عَلِيَّاً عِنْدَهُم لَم يَسْتَطِعْ أَنْ يُظْهِرَ الدِّينَ الصَّحِيحَ، بَلْ كَانَ يَعْمَلُ بِالتَّقِيَّةِ فَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يُظْهِرَ القُرْآنَ الصَّحِيحَ، وَلَا مَنَعَ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ، وَلَا أَحَلَّ زَوَاجَ المُتْعَةِ.

  ثانياً: الحَدِيثُ لَيسَ فِيه حَصْرٌ لِعَدَدِ الأَئِمَّةِ بَلْ هُو خَبَرٌ أَنَّ الدِّينَ يَكُونُ عَزِيزاً وَقْتَ حُكْمِهِم.

  ثالثاً: وِلَايةُ المُنْتَظَرِ إِلَىٰ يَومِ القِيَامَةِ، فَمَتَىٰ يَكُونُ عِزٌّ، وَمَتَىٰ يكون ضَعْفٌ؟

  رابعاً: قَولُ النَّبيِّ: «كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» يُسْتَبْعَدُ مَعَه أَنَّه يُريدُ عَلِيّاً وَأَولَادَه بَلْ لَو قَالَ: مِن وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ لَادَّعَاهَا الشِّيعَةُ كَذَلِكَ بِأَنَّ أَئِمَّتَهُم مِن أَوْلَادِ إِسْمَاعِيلَ.

  خامساً: جاء في الصحيح: «فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَر مُنَافِقاً»([5])، فالعددُ لا  عبرةَ به؛ لأن هناك من المنافقين من هم أكثر من هذا العدد.

  سادساً: جَاءَ القُرْآنُ بِذِكْرِ الرُّسُلِ وَرِسَالَاتِهِم، وَلَم يَتَطَرَّقْ لِلأَئِمَّةِ مَعَ أَنَّهُم عندهم ــــ أي: الشيعة ــــ أَفضْلُ، وَأَهَمُّ مِنَ الرُّسُلِ.

  سابعاً: لِمَ قَبِلَ عَلِيٌّ بِالشُّورَىٰ، وَتَنَازَلَ الحَسَنُ لِمُعَاويةَ، وبَايَعَ الحُسَينُ لِمُعَاوِيةَ، وَبَايَعَ جَمِيعُ أَئِمَّتِهِم لِلْخُلَفَاءِ...؟

  ثامناً: كَيفَ يَكُونُ الحديثُ نصّاً عَلَىٰ عَلِيٍّ، وَالنُّصُوصُ عن عَلِيٍّ تُنَافِي ذَلِكَ، كَمَا فِي «نَهْجِ البَلَاغَةِ»:

  ــــ «وأَنَا لَكُم وَزِيراً، خَيرٌ لَكُم مِنِّي أَمِيراً»([6]).

  ــــ لَمَّا تَولَّىٰ عَلِيٌّ الخِلَافَةَ لَم يَدَّعِ نَصّاً، بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُم حَمَلُوه عَلَيهَا:

  «إِنَّمَا الشُّورَىٰ لِلمُهَاجِرَينَ وَالأَنْصَارِ، فَإِن اجْتَمَعُوا عَلَىٰ رَجُلٍ وَسَمَّوه إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ للهِ رِضىًٰ»([7]).

  ــــ قَالَ البَيَاضِيُّ: «إِنَّ عَلِيّاً لَم يَذْكُرِ النَّصَّ لِلصَّحَابَةِ» «الصِّرَاطُ المُستَقيم.

  تاسعاً: وَلَمَّا خرج مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ  اللهِ بنِ الحَسَنِ (النَّفْسُ الزَّكِيَّةُ) على الْخَليفَةِ المَنْصورِ؛ سَمَحَ الصَّادِقُ لِولَدَيه مُوسَىٰ وَعَبدِ  اللهِ بِالانْضِمَامِ إِلَيه([8]) فَلو كَانَ يَعْلمُ أَنَّهُ إِمامٌ وَبَعْدَهُ ابْنُهُ مُوسَىٰ لَمَا قِيلَ ذَلك.

  عاشراً: لَا يُعْقَلُ وُجُودُ كُلِّ هَذِه الأَحَادِيثِ التَّي يَرْوِيهَا الشِّيعَةُ فِي ذِكْرِ الأَئِمَّةِ جَمَاعَاتٍ أَو أَفْرَاداً، ثُمَّ تَغِيبُ جَمِيعُ هَذِه الرِّوَايَاتِ عَن رُوَاةِ الشِّيعَةِ الكِبَارِ وَفِرَقِ الشِّيعَةِ الَّتِي كَانَتْ تَخْتَلِفُ بَعْدَ وَفَاةِ كُلِّ إِمَامٍ تَقْرِيباً مِمَّا يَدُلُّ دِلَالةً قَطْعِيَّةً عَلَىٰ أَنَّ هَذِه الأَحَادِيثَ وُضِعَتْ مُتَأَخِّرة.

  حادي عشر: وِلَايةُ الأَئَّمةِ عِنْدهُم سِرِّيَّةٌ، عَنِ الرِّضَا قَالَ: وِلَايةُ  اللهِ أَسَرَّهَا إِلَىٰ جِبْرَائِيلَ، وَأَسَرَّهَا جِبْرَائِيلُ إِلَىٰ مُحَمَّدٍ، وَأَسَرَّهَا مُحَمَّدٌ إِلَىٰ عَلِيٍّ، وَأَسَرَّهَا عَلِيٌّ إِلَىٰ مَن شَاءَ، ثُمَّ أَنْتُم تُذِيعُونَ ذَلِكَ؟! مَنِ الَّذِي أَمْسَكَ حَرْفاً سَمِعَه([9]).

  ثاني عشر: أَوصَافُ الاثْني عَشَرَ وَزَمَنُهُم التي جاءتْ في الأحاديثِ:

  ــــ يَتَولَّونَ الخِلَافةَ.

  ــــ الإِسْلَامُ فِي عَهْدِهِم عَزِيزٌ.

  ــــ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ عَلَيهِم.

  وَلَا يَنْطَبِقُ عَلَىٰ أَئِمَّةِ الشِّيعَةِ أَيُّ وَصْفٍ سِوىٰ العَدَدِ، والعَدَدُ مُدَّعىًٰ بَعدَ الحَدِيثِ، إضافةً إلىٰ أن الحَسَنَ العَسْكَرِيَّ مات بِدُونِ ذُرِّيَّةِ.

 

([1])    أخرجه البخاري (٧٢٢٢)، ومسلم (١٨٢١).

([2])   أخرجه مسلم (١٨٢١).

([3])   أخرجه مسلم (١٨٢١).

([4])   أخرجه أبو داود (٤٢٧٩).

([5])   أخرجه مسلم (٢٧٧٩).

([6])   «نهج البلاغة» (ص١٣٦).

([7])   «نهج البلاغة» (ص٣٦٧).

([8])   «مقاتل الطالبيين» (٢٤٤).

([9])   «الكافي» (٢/٢٢٤).