المَبحثُ السَّابعُ

حَدِيثُ «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِن عَلِيٍّ»

  قَالُوا: إِنَّ قَولَ النَّبيِّ: «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِن عَلِيٍّ، ولا يُؤَدِّي عني إلا أنا أو علي»([1]) دَلِيلٌ عَلَىٰ أَنَّ عَلِيّاً هُو الإِمَامُ بَعدَ الرَّسُولِ.

والجواب:

  هَذَا الحَدِيثُ مَدَارُه علىٰ أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ، وهو مُدَلِّسٌ مشهور، يُكْثِر التَّدليسَ عن الضُّعَفَاء، فَإِذا صَرَّحَ بالتَّحْدِيث فَحَديثُهُ صَحِيحٌ، بل في أَعْلَىٰ مَرَاتِبِ الصَّحيحِ، وَلكن الكلامَ فيما إِذَا لم يُصَرِّحْ بالتَّحديثِ فَإِنَّه يُتَوَقَّفُ في قَبُولِ حديثهِ.

  قال أبو إسحاقَ الجوزجانيُّ: «كان قَومٌ مِن أهلِ الكوفةِ لا تُحْمَدُ مَذَاهِبُهم ــــ يعني: التشيعَ ــــ هم رُؤُوس مُحَدِّثي الكوفةِ مثل أبي إسحاقَ، والأعمشِ، ومنصورٍ، وزبيدٍ، وغيرِهم مِن أَقْرَانهم احتملهمُ النَّاسُ علىٰ صِدقِ ألْسِنَتِهم في الحديثِ، وَوَقَفُوا عندما أرسلوا لما خَافُوا أن لا يكونَ مَخَارِجُها صَحِيحةً. فَأَمَّا أبو إسحاقَ فَرَوىٰ عن قومٍ لا يُعْرَفُون ولم ينتشرْ عنهم عندَ أهلِ العلمِ إلا مَا حَكَىٰ أبو إِسْحَاقَ عنهم»([2]).

  وَنَقُولُ أيضاً: (عَلِيٌّ مِنَ النَّبيِّ والنّبيُّ مِنْه) فِي الاتّبَاعِ وَالنُّصْرَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ النبيُّ عن جُلَيبِيبٍ لَمَّا فَقَدَه في غَزْوَةِ أُحُدٍ: «انْظُرُوا إِلَىٰ جُلَيْبِيبٍ» قَالُوا: مَا وَجَدْنَاه قَالَ: «ابْحَثُوا عِنْه فِي القَتْلَىٰ». فَوَجَدُوه قَدْ سَقَطَ وَحَولَه سَبْعَةٌ مِنَ الكُفَّارِ، فَأَخْبَرُوا النَّبيَّ فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعةً وَقَتَلُوه، جُلَيْبِيبٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْه»([3]).

  وَلَمَّا ذَكَرَ النبيُّ الأَشْعَرِيينَ قَالَ: «هُم مِنِّي وَأَنَا مِنْهُم»([4]).

  فَلَا يَلْزَمُ مِن قَولِ النَّبيِّ عَن عَلِيٍّ  رضي الله عنه: «إِنَّه مِنِّي وَأَنَا مِنْه» أَنَّه هُو الخَلِيفَةُ بَعدَ رَسُولِ  اللهِ، بَلْ هَذَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ اتِّحَادِ طَرِيقَةِ النَّبيِّ وَعَلِيٍّ، والْتِزَامِ عَلِيٍّ  رضي الله عنه طَاعَةَ النَّبيِّ، وعَلِيٌّ لَه مِنَ النَّبيِّ النَّسَبُ، والمُصَاهَرَةُ وَالاتِّبَاعُ، والنُّصْرَةُ، والتَّأييدُ، وَالقِيامُ بِحَقِّ  اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبيُّ: «عَلِيٌّ مِنِّي، وَأَنَا مِن عَلِيٍّ».

 

([1])    الشطر الأول من الحديث أخرجه البخاري بلفظ: «أنت مني وأنا منك» (٢٦٩٩) وأما زيادة «ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي» فأخرجها أحمد (٤/١٦٤).

([2])   «تهذيب التهذيب» (٨/٦٦).

([3])   أخرجه مسلم (٢٤٧٢).

([4])   أخرجه مسلم (٢٥٠٠).