حَدِيثُ الثَّقَلَينِ
22-03-2023
المَبحثُ السَّادسُ
حَدِيثُ الثَّقَلَينِ
وهو قول النبي: «تَرَكْتُ فِيكُم مَا إِنْ تَمَسَّكْتُم بِه، لَن تَضِلُّوا بَعْدِي أَبداً كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي»([1]). يَسْتَدِلُّونَ بِهَذَا الحَدِيثِ عَلَىٰ أَنَّه يَجِبُ أَنْ يَتَمَسَّكَ المُؤْمِنُ بِعِتْرَةِ النَّبيِّ.
ثُمَّ قَالُوا بَعدَ ذَلِكَ: إذَا وَجَبَ التَّمَسُّكُ بِهِم صَارُوا هُم أَولِيَاءَ الأَمْرِ بَعدَ رَسُولِ الله وَهُم الخُلَفاءُ مِن بَعْدِه.
وَهَذه الشبهة يُرَدُّ عَلَيها مِن وُجُوه:
الوَجْهُ الأَوَّلُ: الحَدِيثُ فِيه كَلَامٌ مِن حَيثُ صِحَّتُه وَثُبُوتُه عَنِ النَّبيِّ، والثَّابِتُ هو أَنَّ الأَمْرَ كَانَ بِالتَّمَسُّكِ بِكتَابِ اللهِ، والوَصِيَّة بِأَهْلِ البَيتِ.
فعنْ زيدِ بْنِ أرْقمَ رضي الله عنه قال: قامَ رسولُ اللهِ ﷺ يَوماً فينا خَطيباً بماءٍ يُدعى خُمّاً بَينَ مَكَّةَ والمدينةِ، فَحمِدَ اللهَ وأثْنى عَليهِ، ووَعَظَ وذَكَّرَ، ثمَّ قال: «أمَّا بَعْدُ، ألا أيُّها الناسُ، فإنَّما أنا بَشَرٌ يوشِكُ أنْ يأتيَ رَسولُ ربِّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثَقلَيْنِ: أولُهُما كتابُ اللهِ، فيهِ الهُدى والنُّورُ، فخُذوا بكتابِ الله، واسْتَمْسكوا بِهِ». فَحَثَّ على كتابِ اللهِ ورَغَّبَ فيهِ، ثم قال: «وأهلُ بيتي، أذَكِّرُكُمْ اللهَ في أهْلِ بَيتي، أذَكِّرُكُمْ اللهَ في أهْلِ بَيتي، أذَكِّرُكُمْ اللهَ في أهْلِ بَيتي».
فقالَ له حُصينٌ: ومَنْ أهلُ بَيتِهِ يا زَيد؟ أليسَ نِساؤه مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ؟
قال: نِساؤهُ مِنْ أهلِ بَيْتِهِ، ولكنْ أهلُ بيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قال: ومَنْ هُم؟ قال: هُمْ آلُ عَليِّ، وآلُ عَقيلٍ، وآلُ جَعْفر، وآلُ عَبَّاس. قال: كلُّ هؤلاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قال: نَعم([2]).
فَالَّذِي أَمَرَ بِالتَّمَسُّكِ بِه هو كِتَابُ اللهِ، وَأَمَّا أَهْلُ بَيتِ النَّبيِّ فَأَمَرَ بِرِعَايَتِهِم وَإِعْطَائِهِم حُقُوقَهُم التي أَعْطَاهُم اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ إِيَّاهَا.
وَقَد ثَبَتَ مِن حَدِيثِ جَابرٍ أَنَّ النَّبيَّ لَمَّا خَطَبَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ قَالَ: «قَدْ تَرَكْتُ فِيكُم مَا لَن تَضِلُّوا إِن اعْتَصَمْتُم بِه: كِتَابَ اللهِ»([3]) فَهُو الَّذِي إِذَا تَمَسَّكَ بِهِ الإِنْسَانُ لَا يَضِلُّ أَبداً، وَلَم يَذْكُرْ أَهْلَ البَيتِ.
الوَجْهُ الثَّانِي: مَنْ هم عِتْرَةُ النَّبيِّ؟ عِتْرَةُ الرَّجُلِ هُم أَهْلُ بَيتِه، وَعِتْرَةُ النَّبيِّ هُم كُلُّ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيه الزَّكَاةُ وَهُم بَنُو هَاشِمٍ، هَؤُلَاءِ هُم عِتْرَةُ النَّبيِّ وقِيلَ مَعَهم بَنُو المُطَّلبِ بنِ عبدِ مَناف.
وَلْنَنْظُرْ مَنْ أَوْلَىٰ النَّاسِ بِالتَّمَسُّكِ بِهَؤُلَاءِ؟ السُّنَّةُ أم الشِّيعَةُ؟
الشِّيعَةُ لَيسَ لَهُم أَسَانِيدُ إِلَىٰ الرَّسُولِ، وَهُم يُقِرُّونَ بِهَذَا أَنَّهُم لَيسَ عِنْدَهُم أَسَانِيدُ فِي نَقْلِ كُتُبِهِم وَمَرْوِيَّاتِهم، وَإِنَّمَا هِي كُتُبٌ وَجَدُوهَا، فَقَالُوا: ارْوُوهَا فَإِنَّهَا حَقٌّ([4]). أَمَّا أَسَانِيدُهُم: فَكَمَا يَقُولُ الحُرُّ العَامِلِيُّ وَغَيرُه مِن أَئِمَّةِ الشِّيعَةِ إِنَّه لَيسَ عِنْدَ الشّيعَةِ أَسَانِيدُ أَصْلاً، وَلَا يُعَوِّلُونَ عَلَىٰ الأَسَانِيدِ([5]) فَأَينَ لَهُم أَنَّ مَا يَرْوونَه فِي كُتُبِهِم ثَابِتٌ عَن عِتْرَةِ النَّبيِّ؟ بَلْ نَحْنُ أتْبَاعُ عِتْرَةِ النَّبيِّ الَّذِينَ أَعْطَيْنَاهُم حَقَّهُم وَلَم نَزِدْ وَلَم نَنْقُصْ، كَمَا قَال النَّبيُّ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَىٰ عِيسَىٰ ابنَ مَرْيمَ، فإنَّمَا أنا عبدُهُ؛ فقُولُوا: عَبدُ اللهِ وَرَسُولُه»([6]).
الوَجْه الثَّالِثُ: إِمَامُ العِتْرَةِ وَعَالِمُهَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، وَيَأْتِي بَعْدَه فِي العِلْمِ عَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ حَبْرُ هَذِه الأُمَّةِ، الذي كَانَ يَقُولُ بِإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَبْلَ عَلِيٍّ رضي الله عنه، بَلْ إِنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْ ثَبَتَ عَنْه أَنَّه قَالَ: أَفْضَلُ النَّاسِ بَعدَ رَسُولِ اللهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ([7]). بَلْ ثَبَتَ عَنْه عِندَ الشِّيَعةِ أَنَّه قَالَ: «وأَنَا لَكُم وَزِيراً، خَيرٌ لَكُم مِنِّي أَمِيراً»([8]).
الوَجْه الرَّابعُ: هَذَا الحَدِيثُ مِثلُ قَولِ رَسُولِ اللهِ: «تَرَكْتُ فِيكُم مَا إِن تَمَسَّكْتُم بِه لَن تَضِلُّوا أَبداً كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي»([9])، وَقَالَ النَّبيُّ: «عَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِن بَعْدِي عَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّواجِذِ»([10]) فَأَمَرَ بِالعَضِّ عَلَيهَا بِالنَّواجِذِ. وَقَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذِيْنِ مِن بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»([11]).
وَقَالَ: «اهْتَدُوا بِهَدْي عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابنِ مَسْعُودٍ»([12])، وَلَم يَدُلَّ هَذَا عَلَىٰ الإِمَامَةِ أَبداً، وَإِنَّمَا دَلَّ عَلَىٰ أَنَّ أُولَئِكَ عَلَىٰ هَدْي الرَّسُولِ، ونَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ عِتْرَةَ النَّبيِّ لَا تَجْتَمِعُ عَلَىٰ ضَلَالَةٍ أَبداً، وَلَكِن مَنْ هم عِتْرَةُ النَّبيِّ؟!، قَدْ فَصَّلْنا ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ([13]).
([1]) أخرجه الترمذي (٣٧٨٦)، وفيه: زَيدٌ الأنماطيُّ، وهو مُنكرُ الحديثِ، والحديثُ له أكثرُ من طريقٍ مع اختلافِ ألفاظهِ، ولا تخلو جميعُها من ضَعْفٍ.
([4]) روىٰ الكلينيُّ عن مُحَمَّدِ بنِ الحسنِ قال: قلتُ لأبي جعفرٍ الثاني (مُحَمَّدٍ الجوادِ): جعلتُ فداكَ إنَّ مشايخنا رووا عن أبي جعفرٍ وأبي عبد الله ، وكانت التقيّةُ شديدةً، فكتموا كُتبَهم، ولم تُرْوَ عنهم، فَلمَّـا ماتوا صارتْ الكتبُ إلينا؟ فقال: «حدِّثوا بها فإنها حقٌّ» اهـ «الكافي» (١/٥٣). وأبو جعفرٍ الثاني: هو مُحَمَّدُ بنُ علِيِّ بنِ مُوسَىٰ بنِ جَعفرِ بنِ مُحَمَّدِ، والذين جاؤوه هُم تلامذتُه، فكيف صارتْ الكُتبُ الصحيحةُ حقّاً والإسنادُ منقطعٌ كلَّ هذا الانقطاع.
([5]) انظر: كتاب «خاتمة الوسائل ــــ الفائدة التاسعة» فإنه يبينُ فيه أنّ (الاثني عشرية) ليس لهم أسانيد تصحح علىٰ أساسها الروايات، وأنَّ قضية الإسناد أمرٌ مستحدثٌ.
([8]) «نهج البلاغة» (ص٩٥) خطبة رقم (٩٢).
([9]) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (١/٩٣) وفيه ضعف.
([10]) أخرجه أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي» (٢٦٧٦).