الشُّبْهَةُ الرابعةَ عَشْرةَ

سَبُّ عليٍّ علىٰ المَنَابِرِ!

  عَنْ عامرِ بْنِ سَعدِ بنِ أبي وقّاصٍ، قالَ: أمَرَ معاويةُ بنُ أبي سُفيانَ سَعْداً، فقال: ما مَنَعَكَ أنْ تَسبَّ أبا التراب؟ فقال: أما ما ذَكرتُ ثلاثاً قالَهنَّ رسولُ الله ﷺ فَلَنْ أسُبَّه، لَئنْ تكونُ لي واحدةٌ مِنهنَّ أحبّ إليَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَم([1]). وذكَر ثلاثَةَ أحاديثَ في فَضْلِ عليٍّ سَمِعَها مِنَ النّبي ﷺ.

  فسَبُّ عليٍّ رضي الله عنه لا يَثْبتُ؛ لأمور:

  أولاً: لَقّبَ علياً رضي الله عنه بأحَبِّ الألقابِ إليهِ.

  ثانياً: معاويةُ يَعرفُ لعليٍّ فضلَهُ ومنزِلتهُ ومَكانتَهُ، وروىٰ في فَضلِهِ حديثَ المَنْزلَةِ، فَعنْ قَيسِ بنِ أبي حازمٍ، قال: جاءَ رجلٌ إلىٰ معاويةَ رضي الله عنه فَسألهُ عنْ مَسألةٍ، فقال: سَلْ عَنْها عليَّ بنَ أبي طالبٍ رضي الله عنه هو أعْلمُ، فقال: أريدُ جوابَكَ يا أميرَ المؤمنينَ فيها، قال: وَيْحَك! لقد كرهتَ رجلاً كان رسولُ الله ﷺ يَغُرُّهُ بالعِلْمِ غرّاً، ولقدْ قال رسول الله ﷺ: «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِنْ موسىٰ». ولقدْ كانَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه يسألُهُ فَيأخذ عنه، وكان إذا أشْكَل علىٰ عمرَ شيءٌ قال: هـٰهنا عليٌّ. قُمْ، لا أقامَ الله رجليكَ. ومحا اسمَه مِنَ الدّيوان.

  وعن أَبي مُسلِمٍ الخَولاني أَنَّهُ دَخَلَ عَلَىٰ مُعاويةَ فَقال لَهُ: أَنتَ تُنازِعُ عَلياً، أم أنتَ مِثلُهُ؟ فَقال مُعاويةُ: والله إِنّي لأعلَمُ أَنَّ عَلياً أَفضَلُ وأحَقُّ بِالأَمرِ([2]).

  وفي الصلح قال معاوية للكاتِبِ: اكتُب اسمَهُ قَبلَ اسمي لِفَضلِهِ وسابِقَتِه في الإِسلام([3]).

  ولمّا جاءَ خبرُ قتلِ عليٍّ إلىٰ معاويةَ بكى واسْترجعَ، فقالت له امرأتُه: تبكي عليه وكنتَ تقاتله؟! فقال: ويحكِ! إنّكِ لا تدرينَ ما فَقَدَ الناسُ مِنَ الفَضلِ والفِقْهِ والعِلْم([4]).

  ثالثاً: لماذا يسألُ سعداً أمامَ الناسِ، وهو يَعْرفُ سَعْداً مَنْ هو.

  رابعاً: لماذا سَكتَ معاويةُ وَلمْ يردَّ علىٰ سعد، أو يعيب علياً بشيءٍ.

  خامساً: لَمْ يَثْبُتْ أنّ مُعاويةَ سبَّ علياً أو أَمَر بِسَبِّهِ في حياتِهِ، سواء أثناءَ الحربِ أو بعدها، فَكَيْفَ بَعدَ تنازلِ الحَسَنِ لَه.

  سادساً: الحَسنُ والحُسينُ كانا يَفِدانِ علىٰ معاويةَ ويُكْرِمُهما.

  سابعاً: ما عُرفَ عن معاويةَ مِنَ الحِلْمِ وحُسْنِ السّياسةِ.

  ثامناً: لَمْ يُنقلْ عَنْ أَحدٍ مِنَ الصّحابةِ أنَهُ أنْكَرَ ذلك.

  تاسعاً: نُقِلَ خلافُ ذلكَ لما ردَّ معاويةُ علىٰ مَنْ سَبَّ علياً.

 

([1])    أخرجه مسلم (٢٤٠٤).

([2])   «البداية والنهاية» (١١/٤٢٦).

([3])   «البداية والنهاية» (١٠/٥٥٧).

([4])   «البداية والنهاية» (١١/٤٢٩).