الشُّبْهَةُ الثَّالِثةَ عَشْرةَ

استلحاقُ معاويةَ لزيادٍ

  قَالُوا: إِنَّ مُعَاويةَ اسْتَلْحَقَ زِيادَ بنَ أَبيه وَهُو ابنُ عُبيدٍ الثَّقَفِيِّ، فَقَالَ مُعَاويةُ: زِيادُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ.

  قُلْنَا: زِيادُ لَيسَ ابْناً لِعُبيدٍ الثَّقَفِي بَلْ كَانَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِزِيادِ بنِ أَبِيه أَو ابنِ سُمَيَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّه جَاءَ مِن سُمَيَّةَ بِالزِّنَا([1]) كَانَ جَاءَهَا بَعْضُ الرِّجَالِ فِي الجَاهِلِيةِ مْنهُم أَبُو سُفْيَانَ، وَالِدُ مُعَاوِيَةَ([2])، وَكَانَ زِيادٌ وَالِياً مِنْ وُلَاةِ عَلِيٍّ  رضي الله عنه، وَكَانَ رَجُلاً مُفَوَّهاً خَطِيباً مُتَكَلِّماً.

  وَمَعَاويةُ  رضي الله عنه أَخْبَرَه وَالِدُه (أبو سفيان) أَنَّ زِيَاداً هَذَا ابْنُه مِنْ سُمَيَّةَ، نعم إنه ابنُ زِنَا لكنه مِنْ ظَهْرِه، وَلَم يَكُن أَحَدٌ ادَّعَىٰ زِيَاداً، وَلَم يَكُن لِسُمَيَّةَ زَوجٌ، لَو كَانَ لَهَا زَوجٌ لَقُلْنَا: «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَر»، لَكِن لَم يَكُن لَهَا زَوجٌ، هِي أَمَةٌ جَامَعَهَا أَبُو سُفْيَانَ، فَأَتَت مِنْه بِزِيَادٍ فَاسْتَلْحَقَه مُعَاويةُ، وَقَدْ بَلَغَ مُعَاويةَ إِنْكارُ ابنِ عَامرٍ عَلَيه اسْتِلْحَاقَ زِيادٍ. قَالَ مُعَاويةُ: يَا ابنَ عَامرٍ، أَنْتَ القَائِلُ فِي زيادٍ مَا قُلْتَ! أَمَا وَاللهِ لَقَد عَلِمَتِ العَرَبُ أَنِّي كُنْتُ أَعَزَّهَا في الجَاهِليةِ، وَإِنَّ الإِسْلَامَ لَم يَزدْ فِيَّ إِلَّا عِزّاً، وَإِنّي لَم أَتَكَثَّرْ بِزِيادٍ مِن قِلَّةٍ وَلَم أَتَعَزَّزْ بِه مِن ذِلةٍ، وَلَكِن عَرَفْتُ حَقّاً لَه فَوَضَعْتُه موضِعَه([3]).

  وَالَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَىٰ مُعَاويةَ اسْتِلْحَاقَه زِيَاداً أَنْكَرُوا عَلَيه مِن بَابِ أَنَّه هَلْ يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ أَحَداً؟ أَمْ لَا يَجُوزُ؟ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ الإِمَامُ مَالِكٌ وَغَيرُه إِنَّمَا يُسَمُّونَ زِيَاداً: زَيادَ بنَ أَبِي سُفْيانَ، فَهَذَا الَّذِي عَابُوا فِيه مُعَاويةَ  رضي الله عنه.

 

([1])    هُو وَلَدُ زِنَا وَلَا يَضُرُّه هَذَا شَيئاً فَلَيسَ لَه ذَنْبٌ فِيه.

([2])   وهَذَا الزِّنَا لَيسَ فِي الإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا فِي الجَاهِلِيّةِ، وَلَقَدْ كَانُوا مُشْرِكِينَ، فَالزِّنَا أَهْونُ مِنَ الشِّرْكِ.

([3])   «تاريخ الطبري» (٥/٢١٤)