الشُّبهةُ الحاديةَ عشْرةَ

دَعوىٰ أن أبا بَكرٍ وعُمرَ
أرادا إحْراقَ بَيْتِ فاطمةَ بِمَنْ فيهِ

 

 

قال حُافظُ إبْراهيمَ:

وقَولة لعليٍ قالها عُمَرْ

أكرم بسامِعِها أَعظِم بِمُلقيها

حَرَقتُ داركَ لا أبْقي عَليكَ بِها

     إنْ لم تُبايِعْ وَبنتُ المصطفىٰ فيها

ما كان غيرُ أبي حَفصٍ يَفوهُ بها

    أمامَ فارِسِ عدنانٍ وحاميها

  وقال مُحمد حُسين آل كاشِفِ الغِطاء: «ولكنَّ قَضِيةَ ضربِ الزّهراءِ ولطمِ خَدِّها مما لا يَكادُ يَقْبَلُه وُجْداني ويَتَقبّلهُ عَقْلي وتَقْتَنِعُ به مَشاعِري، لا لأنَّ القَومَ يَتَحَرَّجونَ ويَتورعّونَ مِنْ هذه الجُرْأةِ العظيمَةِ، بَلْ لأنَّ السّجايا العَرَبِيَّةَ والتَّقاليدَ الجاهِليَّةَ التي رَكَّزتْها الشَّريعةُ الإسلاميةُ وزادتْها تأييداً وتأكيداً تَمْنَعُ بِشِدَّةٍ ضَرْبُ المرْأَةِ أو تُمدُّ إليها يَدُ سوءٍ، حتىٰ إنَّ بَعْضَ كَلماتِ أميرِ المؤمنين (ع) ما مَعناهُ: إنّ الرَّجلَ كان في الجاهِليَّةِ إذا ضَربَ المَرْأةَ يَبْقىٰ ذلك عاراً في أعْقابِهِ ونَسْلِهِ... [وفاطِمَةُ] ما ذَكَرَت ولا أشارَتْ إلىٰ ذلكَ في شيءٍ مِنْ خُطَبِها ومَقالاتِها المتَضَمِّنةِ لِتَظَلُّمِها مِنَ الْقَومِ وسوءِ صَنيعِهمْ مَعَها»([1]).

  وقال ابْنُ أبي شَيْبَةَ: حَدَّثنا مُحمدُ بْنُ بِشْرٍ، نا عُبيدُ الله بنُ عمرَ، حدَّثنا زَيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عن أَبيهِ أَسْلَمَ أنَّه حينَ بويِعَ لأبي بَكْرٍ بَعْدَ رَسولِ الله ﷺ كانَ عليٌّ والزُّبيرُ يَدْخلانِ علىٰ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ الله ﷺ فَيُشاورونَها وَيَرْتَجعونَ في أَمْرِهِمْ، فلمَّا بَلغَ ذلكَ عُمرَ بْنَ الخطابِ خَرَجَ حتىٰ دَخَلَ علىٰ فاطِمَةَ فقال: يا بِنْتَ رسولِ الله ﷺ، والله ما مِنْ أَحدٍ أَحَبُّ إلينا مِن أبيكِ، وما مِنْ أَحَدٍ أَحَبُّ إلينا بَعْدَ أبيكِ مِنْكِ، وأيمُ الله، ما ذاك بمانِعي إنْ اجْتَمَعَ هؤلاءِ النَّفَرُ عندكِ أنْ أَمْرتُهُم أن يُحَرَّقَ عليهمُ البَيْتَ. قال : فلمَّا خَرَجَ عُمرُ جاؤوها فَقالتْ : تَعْلمونَ أنَّ عُمَرَ قَدْ جاءني، وَقَدْ حَلَفَ بالله لَئِنْ عُدْتُمْ لَيُحَرِّقَنَّ عَلَيْكُمُ البَيتَ، وأَيْمُ الله، لَيَمْضينَّ لما حَلفَ عَليهِ، فانْصرفوا راشِدينَ، فَرَوا رَأيَكُمْ ولا تَرْجعوا إليَّ. فانْصَرِفوا عنها فَلَمْ يَرْجِعوا إلَيْها حتىٰ بايَعوا لأبي بَكر([2]).

  وهذا الإسنادُ ضَعيفٌ مُنْقطِعٌ، فإنَّ أَسْلَمَ والدَ زَيْدٍ لم يَحضُرْ الحادِثةَ، قال مُحمدُ بنُ إسحاقَ: «بَعَثَ أبو بكْرٍ عُمَرَ سَنةَ إحدىٰ عَشْرَةَ، فأقامَ للناسِ الحَجَّ، وابْتاعَ فيها أَسْلَمَ مولاه»([3]).

  والحادِثةُ إنما وقَعَتْ بعدَ وفاةِ النَّبي ﷺ في شَهْرِ ربيعٍ الأوَّل قَبْلَ خِلافَةِ أبي بَكْر، وعُمَرُ حَجَّ بالناسِ في شَهْرِ ذي الحجَّةِ

 

([1])    «جنة المأوى» (ص١٣٥ ــــ ١٣٦).

([2])   «مصنف ابن أبي شيبة» (٣٧٠٤٥).

([3])   «تهذيب الكمال» للمزي (٢/٥٣٠).