الشبهة العاشرة

نَهَىٰ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عَن مُتْعَةِ الحَجِّ وَمُتْعَةِ النِّسَاءِ
وَهُما مَشْرُوعَتَانِ فَكَيفَ يُحَرِّمُ عُمَرُ مَا أحَلَّه  اللّهُ؟

أَوَّلاً: مُتْعَةُ الحَجِّ:

  عن الصُبَيِّ بنِ مَعْبدٍ أَنَّه قَالَ لِعُمَرَ: أَحْرَمْتُ بِالحَجِّ والعُمْرَةِ مَعاً، (يَعْنِي: مُتَمَتِّعاً) فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيْتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ([1]). فَهَذَا عُمَرُ يَرَىٰ أَنَّ هَذِه هِي السُّنَّةُ: بَلْ وَمَدَحَ هَذَا الرَّجُلَ وَلَم يَنْهَه وَقَالَ: هُدِيْتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ.

  وَعَن سَالِمٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ أَنَّه سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ فَأَمَرَ بِهَا، فَقِيلَ لَه: إِنَّكَ تُخَالِفُ أَبَاكَ. قَالَ: إِنَّ أَبِي لَم يَقُلِ الّذِي تَقُولُونَ؟ إِنَّمَا قَالَ: «أَفْرِدُوا العُمْرَةَ مِنَ الحَجِّ»، فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُم حَرَاماً وَعَاقَبْتُم عَلَيها، وَقَدْ أَحَلَّهَا  اللهُ  ، وَعَملَ بِهَا رَسُولُ  اللهِ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيه قَالَ: أَفَكِتَابُ  اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ عُمَرُ؟([2]).

  فَنَقُولُ: عَلَىٰ فَرَضِ أَنَّ عُمَرَ اجْتَهَدَ فأَخْطَأَ  رضي الله عنه فِي النَّهِي عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ، فَكَانَ مَاذَا؟! نَحْنُ لَا نَدَّعِي العِصْمَةَ لِعُمَرَ، بَلْ نَقُولُ: يُخْطِئُ كَمَا يُخْطِئُ بَاقِي الصَّحَابةِ، هَذَا إِذَا افْتَرَضْنَا أَنَّه أَخْطَأَ.

  مَاذَا كَانَ مُرَادُ عُمَرَ إِذاً؟ كَانَ مُرَادُ عَمَرَ أَنْ لَا يُعَرَّىٰ بيتُ  اللهِ عن العُمرةِ فِي يومٍ مِن أَيَّامِ السَّنةِ، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا إِذَا خَرَجُوا إِلَىٰ الحَجِّ يَعْتَمِرُونَ مَعَ الحَجِّ وَهِي المُتْعَةُ، بَعْد ذَلِكَ لَا يَأْتُونَ إِلَىٰ بَيتِ  اللهِ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَحُجُّوا مُفْرِدِينَ ثُمَّ بعد ذَلِكَ يَأْتُونَ إِلَىٰ بَيتِ  اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ بِعُمْرَةٍ بِسَفرٍ مُسْتَقِلٍّ حَتَّىٰ لَا يَبْقَىٰ بَيتُ  اللهِ عَارِياً مِنَ الخَلْقِ.

  فَالنَّهْيُ من عُمَرَ  رضي الله عنه لَم يَكُنْ نَهْيَ تَحرِيمٍ، وَإِنَّمَا كَانَ رَأْياً رَآه وظَنَّ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ أَفْضَلُ، وَلَا يُعَابُ عَلَيه فِي هَذَا الأَمْرِ بَلْ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّه لَمَّا حَجَّ الصُبيُّ بنُ مَعْبدٍ مُتَمَتِّعاً قَالَ لَه عُمَرُ: هُدِيْتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ.

ثَانياً: مُتْعَةُ النِّسَاءِ:

  إِنَّ النَّهْيَ عَنْهَا ثَبَتَ عن عَلِيٍّ  رضي الله عنه حيثُ قَالَ لابنِ عَبَّاسٍ   ــــ لَمَّا سَمِعَ أَنَّه يُبِيحُ مُتْعَةَ النِّسَاءِ ــــ: «مَهْلاً يا ابنَ عبَّاس؛ فَإِنَّ رَسُولَ  اللهِ قَدْ نَهَىٰ عنها يومَ خَيبرَ، وعن لُحُوم الحُمُرِ الأنسيّةِ»([3]).

  وَكذَلِكَ حَدِيثُ سَلَمةَ بنِ الأكْوعِ «أَنَّ النَّبيَّ حَرَّمَ المُتْعَةَ عَامَ أوطاس»([4])، وَكَذَلِكَ رَوَىٰ سَبْرَةُ الجُهَنِيُّ؛ أَنَّ النَّبيَّ حَرَّمَ المُتْعَةَ عامَ الفَتْحِ([5])، وفي روايةٍ: «إنِّي كنتُ أذِنْتُ لكم في الاستمتاعِ من النساءِ، وإنَّ  اللهَ قد حرَّمَ ذلك إلىٰ يومِ القيامةِ»([6]).

  فَعُمَرُ نَهَىٰ عَنِ المُتْعَةِ فَكَانَ مَاذَا؟ فعمرُ  رضي الله عنه نَهَىٰ عَنْ شَيْءٍ نَهَىٰ عَنْه رَسُولُ  اللهِ، نَهَىٰ عَن شَيءٍ نَهَىٰ رَبُّ العِزَّةِ تبَارَكَ وتَعَالَىٰ عنه حيثُ قَالَ: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ٥﴾ [المؤمنون]. فسَمَّاهُم  اللهُ عَادِينَ.

  وَهُم يَسْتَدِلُّونَ بِقَولِ  اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ: ﴿.. فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ٢٤﴾ [النساء: ٢٤]. ويَسْتَدِلُّونَ بِالقِرَاءَةِ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِه مِنْهُنَّ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمَّىٰ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضةً﴾.

نقُولُ: إِنَّ هَذِه القِرَاءَةَ غَيرُ مُتَوَاتِرَةٍ، ولَيْسَتْ مِنَ القَرَاءَاتِ السَّبعِ وَلَا  مِنَ القِرَاءَاتِ العَشْرِ، فَهِي قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ. وَهِي مُعَارَضةٌ بِقَولِ النَّبيِّ سَواءٌ كَانَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَو سَلَمةَ بنِ الأَكْوعِ، أَو سَبْرَةَ الجُهَنِيِّ، أَو غَيرِهِم.

 

([1])    أخرجه أحمد (١/٢٥)، من طريق حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن علي، وفيه انقطاع.

([2])   أخرجه البيهقي في «السنن» (٥/٥١). وقال الألباني في مقدمة صفة الصلاة: «رجاله ثقات».

([3])   أخرجه مسلم (١٤٠٧). وراجع: «وسائل الشيعة» (١٢/١٢).

([4])   أخرجه مسلم (١٤٠٥).

([5])   أخرجه مسلم (١٤٠٦).

([6])   أخرجه مسلم (١٠٤٦).