قولُ عُمَرَ عن بَيعةِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
21-03-2023
الشُّبهَةُ الثَّامِنةُ
قولُ عُمَرَ عن بَيعةِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: إِنَّها فَلْتةٌ
قَالُوا: إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ عن بَيعةِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: إِنَّها فَلْتةٌ.
ونَقُولُ: نَعَم هَذَا صَحِيحٌ، ثَبَتَ عن عُمَرَ رضي الله عنه؛ أَنَّه قَالَ عن بَيعَةِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «إِنَّها فَلْتةٌ»، وَلَكِن دَعُونَا نَقْرَأُ من «صَحِيح البُخَارِيِّ» القِصَّةَ كَامِلةً لنعرفَ الحقيقةَ:
فعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّه بَلَغَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: لَئِن مَاتَ عُمَرُ لأُبَايعَنَّ فُلاناً، وأَنَّ بَيعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتةً، فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ ابنَ الخَطَّابِ هَذَا الكَلَامُ قَالَ: إِنَّه بَلَغَنِي أَنَّ قَائلاً مِنْكُم يَقُولُ: واللهِ لَو قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَاناً، فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَت بَيعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلتةً وتَمَّتْ، ألَا وَإِنَّها قَد كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلكِن وَقَىٰ اللهُ شَرَّهَا، وَلَيسَ فِيكُم مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إِلَيه مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ ذهَابِه مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَىٰ سَقِيفَةِ بَني سَاعِدَةَ حَتَّىٰ قَالَ عُمَرُ: وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرتُ([1]) مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَينَ يَدَي أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْه بَعْضَ الحِدَّةِ([2]).
فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَىٰ رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَه.
فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ هُو أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ، واللهِ مَا تَرَكَ مِن كَلِمةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِه مِثْلَهَا أَو أَفْضَلَ، حَتَّىٰ سَكَتَ فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُم فِيكُم مِنْ خَيرٍ فَأَنْتُم لَه أَهْلٌ، وَلَن يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الحَيِّ مِن قُرَيشٍ، هُم أَوسَطُ العَرَب نَسَباً وَدَاراً، وَقَد رَضِيْتُ لَكُم أَحَدَ هَذِينِ الرَّجُلَينِ ــــ يَقْصدُ: عُمَرَ وَأَبَا عُبَيدَةَ ــــ، فَبَايِعُوا أَيَّهَمَا شِئْتُم. فَأَخَذَ بِيَدِي وَيَد أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُو جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَ هَذَا، كَانَ وَاللهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبُ عُنُقِي لَا يُقَرِّبنِي ذَلِكَ من إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَىٰ قَومٍ فِيهِم أَبُو بَكْرٍ. حَتَّىٰ قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا واللهِ مَا وَجدْنَا فِيمَن حَضَرَنا مِنْ أَمْرٍ أَقَوَىٰ مِن مُبَايعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِيْنا إِنْ فَارَقْنَا القَومَ وَلَم تَكُنْ بَيعَةً أَن يُبَايعُوا رَجُلاً منهم بَعْدَنا، فَإِمَّا بَايعْنَاهُم عَلَىٰ مَا لَا نَرْضَىٰ، وَإِمَّا نُخَالِفُهُم فَيكُونُ فَسَاداً، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً مِن غَيرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلَا يُتَابَعُ هُو وَلَا الَّذِي بَايعَهُ تَغِرَّةَ أَنْ يُقْتَلَا([3])
([4]).
فَهَذِهِ قِصَّةُ البَيْعَةِ، نَعَم هِي فَلْتَةٌ وَلَكِن لَهَا قِصَّةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا مُفَصَّلَةً فِي كَلَامِنَا عَلَىٰ سَقِيفةِ بني سَاعِدَةَ، فَلَا يَكُونُ هَذَا طَعْناً عَلَىٰ عُمَرَ رضي الله عنه بَلْ هِيَ تَكْشِفُ عَنْ حُسْنِ خُلُقِهِ وتَواضُعِهِ وَتَمَسُّكِهِ بِشَريعَةِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ، وحِرْصِهِ عَلىٰ مَصْلَحةِ الْأَمُّةِ وَجَمعِ كَلِمَتِهِمْ وَأَمْرِهِمْ عَلىٰ الْحَقِّ والرُّشْدِ.
([1]) أي: حَضَّرتُ وجَهَّزْتُ.
([2]) الحِدّةُ: سُرعةُ الغضبِ.