قَتْلُ مُعاويةَ لحجرِ بنِ عديٍّ
21-03-2023
الشُّبهَةُ السَّادِسةُ
قَتْلُ مُعاويةَ رضي الله عنه لحجرِ بنِ عديٍّ
قَالُوا: إِنَّ مُعَاويةَ قَتَلَ الصَّحَابِيَّ حِجْرَ بنَ عَدِيٍّ ظُلْماً.
قلتُ: حِجْرُ بنُ عَدِيٍّ اخْتُلِفَ فِيه هَلْ هُو صَحَابِيٌّ أَو تَابِعِيٌّ؟
وَجُمْهُورُ أَهْلِ العِلْمِ عَلَىٰ أَنْ حِجْراً تَابِعِيٌّ ولَيسَ بِصَحَابِيٍّ، وَهَذَا قَولُ البُخَارِيِّ، وَأَبِي حَاتِم الرَّازِيِّ، وابنِ حِبَّانَ، وابنِ سَعْدٍ، وخَلِيفةَ بنِ خَيَّاطٍ، وغَيرِهم، قَالُوا: إِنَّ حِجْرَ بنَ عَدِيّ كَانَ تَابِعِيّاً، وَلَيسَ مِنَ الصَّحَابةِ([1]).
لِمَاذَا قَتَلَ مُعَاوِيةُ حِجْرَ بنَ عَدِيٍّ؟:
حِجْرُ بنُ عَدِيّ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ مِمَّنَ قَاتَلَ مَعَه فِي صِفِّينَ، وَبَعْدَ تَنَازُلِ الحَسَنِ لِمُعَاوِيةَ وَاسْتِقْرَارِ الأمْرِ لِمُعَاوِيةَ وَسُمّي (عَامَ الجَمَاعَةِ)، وَلَّىٰ مُعَاويِةُ زِيَادَ بنَ أَبيهِ أَو زِيَادَ بنَ أَبي سُفْيَانَ الكُوفَةَ كَمَا سَيَأتِي، وَلَا يَخْفَىٰ حَالُ أَهْلِ الكُوفَةِ فَهُم الّذِينَ قَتَلُوا عَلِيّاً، وَخَانُوا ابْنَه الحَسَنَ، وَغَدَرُوا بِالحُسَينِ ثم قتلوه، وَفِي زَمَنِ عُمَرَ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ سَعْدٍ رضي الله عنه، وَهُمْ الّذِينَ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ الوَلِيدِ بنِ عُقْبةَ، وَفِيِ إِمَارَةِ أَبي مُوسَىٰ الأَشْعَرِيِّ، بَلْ لَمْ يُرْضِهِم أَحَدٌ أَبَداً إِلَّا بِقُوَّةِ السَّيفِ. وَكَانَ زِيَادٌ وَالِياً عَلَىٰ البَصْرَةِ مِن قِبَلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَهُو مِن وُلَاةِ عَلِيِّ بنِ أَبي طَالِبٍ([2])، فَلَمَّا صار مُعَاويةُ خليفةً تَرَكَه وَالِياً عَلَىٰ البَصْرَةِ وزَادَه الكُوفَةَ.
وَحَدَثَ أَنْ قَامَ زِيَادٌ فَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَةَ الجُمُعَةِ فَيُقَالَ: إِنَّه أَطَالَ فِي الخُطْبَةِ، فَقَامَ حِجْرُ بنُ عَدِيٍّ فَقَالَ: الصَّلَاةَ، الصَّلَاةَ. فَاسْتَمَرَّ زِيَادٌ فِي خطْبَتِه فَقَامَ حِجْرُ بنُ عَدِيّ فَحَصَبَه بالحِجَارَةِ، وَقَامَ أَتْبَاعُ حِجْرِ بنِ عَدِيّ وَحَصَبُوه أَيْضاً بِالحِجَارَةِ وَهُو يَخْطُبُ النَّاسَ يَومَ الجُمُعَةِ، فَأَرْسَلَ زِيَادٌ إِلَىٰ مُعَاوِيةَ بِمَا وَقَعَ، فَأَمَرَ مُعَاويةُ بِإِرْسَالِ حِجْرِ بنِ عَدِيّ إِلَيه ثُمَّ أَمَرَ بِقَتْلِه؛ لأَنَّه أَرَادَ أَنْ يُثِيرَ الفِتْنةَ([3]). وَأَرَادَ مُعَاوِيةُ رضي الله عنه أَنْ يَقْطَعَ دَابِرَ الفِتْنةِ مِن أَوَّلِهَا فَقَتَلَه لِهَذَا السَّبَبِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَتْ عَائِشةُ لِمُعَاِويةَ: لِمَاذَا قَتَلْتَ حِجْرَ بنَ عَدِيّ؟ قَالَ مُعَاوِيةُ: دَعِينِي وَحِجْراً حَتَّىٰ نَلْتَقِي عِندَ اللهِ([4]). ونَحْنُ نَقُولُ: دَعُوه وَحِجْراً حَتَّىٰ يَلْتَقِيَا عِندَ اللهِ.
([2]) «تاريخ خليفة بن خياط» (ص٢٠١ ــــ ٢٠٢).
([3]) «سير أعلام النبلاء» (٣/٤٦٦، ٤٦٣)، و«الإصابة» (١/٣١٣)، وانظر تفصيل ذلك في: «البداية والنهاية» (٨/٥٢) وما بعدها.
([4]) «البداية والنهاية» (٨/٥٥)، و«العواصم مِنَ القواصم» (ص٢٢٠).