قَتْلُ خالدِ بنِ الوليدِ لمالكِ بنِ نُوَيْرَةَ
21-03-2023
الشُّبهَةُ الخَامِسةُ
قَتْلُ خالدِ بنِ الوليدِ لمالكِ بنِ نُوَيْرَةَ
لَمَّا تُوفِّي النبيُّ ارْتَدَّ كَثِيرٌ مِنَ العَرَبِ عن دِينِ اللهِ، فَأَرسَلَ أَبُو بَكْرٍ الجُيُوشَ لِمُحَارَبةِ المُرْتَدِّينَ، وَكَانَ مِن أُولَئِكَ القَادَةِ العِظَامِ خَالِدُ ابنُ الوَلِيدِ رضي الله عنه، أَرْسَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِقِتَالِ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَىٰ النُّبوَّةَ، وَانْتَصَرَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ رضي الله عنه فِي مَعْرَكةٍ عَظِيمَةٍ يُقَالُ لَهَا: «مَعْرَكةُ الحَدِيقَةِ». وَبَعدَ ذَلِكَ صَالَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدُ فِي القَبَائِلِ العَرَبِيَّةِ الَّتي ارْتَدَّتْ عَن دِينِ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ، إِنْ عَادُوا إِلَىٰ الدِّينِ وَإِلَّا قَاتَلَهُم رضي الله عنه، وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ جَاءَهُم خالد بِنُ الوَلِيدِ قَومُ مَالِكِ بنِ نُوَيرَةَ، وَكَانُوا قَدْ مَنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِم فلَمْ يَدْفَعُوهَا لأبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، بَلْ لم يَدْفَعُوهَا أصْلاً. فَجَاءَهُم خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ فَقَالَ لَهُم: أَيْنَ زَكَاةُ الأَمْوَالِ؟ مَا لَكُم فَرَّقْتُم بَينَ الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ؟ فَقَالَ مَالِكُ بنُ نُوَيْرَةَ: إِنَّ هَذَا المَالَ كُنَّا نَدْفَعُه لِصَاحِبِكُم فِي حَيَاتِه فَمَاتَ، فَمَا بَالُ أَبِي بَكْرٍ؟ فَغَضِبَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ، وَقَالَ: أَهُو صَاحِبُنَا وَلَيسَ بِصَاحِبِكَ، فَأَمَرَ ضِرَارَ بنَ الأَزْورِ بِضَربِ عُنُقِه.
وقِيل: إِنَّ مَالِكَ بنَ نُوَيْرَةَ قَدْ تَابَعَ سِجَاحَ التي ادَّعَتِ النُّبوَّة([1]).
وَهُنَاكَ رِوايةٌ وَهي: أَنَّ خَالِداً رضي الله عنه لَمَّا كَلَّمَهُم وزَجَرَهُم عَن هَذَا الأَمْرِ وَأَسَرَ مِنْهُم مَنْ أسَرَ. قَالَ لأَصْحَابِه: أَدْفِئُوا أَسْرَاكُم، وَكَانَت لَيلةً بَارِدَةً، وَكَانَ مِنْ لُغَةِ ثَقِيف أَدْفِئُوا الرَّجُلَ يعني: اقْتُلُوه، فَظَنُّوا أَنَّ خَالِداً يُرِيدُ القَتْلَ، فَقَتَلُوهُم بِدُونِ أَمْرِ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ رضي الله عنه.
فأَيُّ الأُمُورِ الثَلَاثةِ حَصَلَ، فَإِنَّ قَتْلَهُم كان حقّاً أو كان تأويلاً وَهَذَا لَا يُعَابُ عَلِيه.
وَأَمَّا قَولُهم: إِنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ بَعدَ أَنْ قَتَلَ مَالِكَ بنَ نُوَيْرَةَ دَخَلَ عَلَىٰ زَوجَتِه فِي الليلَةِ نفسها، فَهَذَا كَذِبٌ، فَبَعْدَ أَنْ قَتَلَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ مَن قَتَلَ وسَبَىٰ مِنْهُم اسْتَخْلَصَ زَوجَتَه لِنَفْسِه، وَهِي مِنَ السَّبِي، ولَكِن أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ عَلِيهَا مِن أَوَّلِ لَيلةٍ أَو أَنَّه قَتَلَه مِن أَجْلِ زَوجَتِه؛ فَهَذَا كُلُّه كَذِبٌ([2]).
خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ رضي الله عنه المُجَاهِدُ فِي سَبيل اللهِ يَقُولُ: لأن أُصَبِّحَ العَدُوَّ فِي لَيلةٍ شَاتِيةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَنْ تُهْدَىٰ إِلَيَّ فِيها عَرُوسٌ أَو أُبَشَّرَ فِيهَا بِوَلَدٍ([3]).
فَلَقَد كَانَ مِنَ القَادَةِ العِظَامِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِم النَّبيُّ: «خَالِدٌ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللهِ، سَلَّهُ الله عَلَىٰ المُشْرِكِينَ»([4]).
وَلِذَلِكَ لَمَّا وَقَعَ مِن خَالدٍ هَذَا الأَمْرُ وَهُو قَتْلُ مَالِكِ بنِ نُويْرَةَ ومَنْ مَعَه، قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ لأَبِي بَكْرٍ: اعْزِلْ خَالِداً، فَإِنَّ فِي سَيْفِه رَهَقاً.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا واللهِ!! إِنَّه سَيفٌ سَلَّه اللهُ عَلَىٰ المُشْرِكِينَ([5]).
وإن كانوا يُنْكِرون علىٰ أبي بكرٍ أنه لم يَقْتُل قَاتِلَ مالكِ بنِ نُويرةَ، فما بال عَلِيٍّ لم يَقْتُلْ قَتَلَةَ عثمانَ، وعثمانُ مِن أصحابِ رسولِ الله وصِهْرُه وخليفةُ المسلمينَ، ومالكُ بنُ نُويرة مَشْكُوكٌ في إسلامهِ، فإن كان عَلِيٌّ مَعْذُوراً؛ فأبو بكرٍ أولىٰ بهذا العُذرِ.
ولما التقىٰ عمرُ بن الخطابِ مُتَمِّمَ بنَ نُويرةَ أخا مالكٍ، فقال له: ماذا قلتَ في أخيكَ؟ قال متممٌ:
وكنَّا كَنُدْمَانَي جذيمةَ حِقْبَةً
من الدَّهرِ حتىٰ قيل: لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِي وَمَالِكاً
لطولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً معا
فقال عمرُ: والله لَودَدْتُ أَنْ أَرْثِي أخي زَيْداً بِمِثْلِ مَا رَثَيْتَ أَخَاكَ.
فقال متممٌ: لو مَاتَ أَخِي عَلَىٰ مِثْل مَا مَاتَ عَليه أَخُوكَ مَا رَثَيْتُه([6]).
قال عمرُ: ما عزّاني أَحدٌ في أخي بمثلِ ما عزّيتني.
وكَانَ زيدٌ أخو عمرَ قد اسْتُشهدَ في معركةِ اليمامةِ في قتالِ المُرتدينَ من بني حَنيفةَ.
([1]) قال ابنُ طاووس وهو من علماء الشِّيعَة: «ارتدت بنو تميم والزيات واجتمعوا علىٰ مالك بن نويرة اليربوعي». انظر: «فصل الخَطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» (ص١٠٥).
([2]) انظر «البداية والنهاية» (٦/٣٢٦).
([3]) «البداية والنهاية» (٧/١١٧).
([4]) أخرجه البخاري (٣٧٥٧)، وابن عساكر كاملاً (٨/١٥).
([5]) انظر: «تاريخ الطبري» أحداث سنة (١١هـ) ذكر البطاح وخبره، و«البداية والنهاية»، خلافة أبي بكر، فصل: مقتل مالك بن نويرة.