الشُّبهَةُ الرَّابِعَةُ

زعمُهم: أنّ النبيَّ لَعَنَ مَنْ تخلَّفَ عن جيشِ أُسامةَ
وأنّ أبا  بكرٍ وعُمرَ تخلَّفا عنه

  قَالُوا: إِنَّ النَّبيَّ جَهَّزَ جَيشَ أُسَامةَ، وَكَانَ مِن ضِمْنِ الجَيشِ أَبُو  بَكْرٍ وعُمَرُ وأَبُو عُبيدةَ وجُلُّ الصَّحَابةِ وقَالَ النَّبيُّ: «لَعَنَ  اللهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَن جَيشِ أُسَامةَ».

  فَلَمَّا مَاتَ النَّبيُّ خَرَجَ جَيشُ أُسَامةَ، فَلَم يَخْرُجْ مَعَه أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ، قَالُوا: فَهُمَا مَلْعُونَانِ عَلَىٰ لِسَانِ رَسُولِ  اللهِ.

والجواب:

  أَوَّلاً: نَقُولُ هَذَا الْحَديثُ كَذِبٌ، فَإِنَّه لَم يَثْبُتْ عَنِ النَّبيِّ أَنَّه قَالَ: لَعَنَ  اللهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْه، نَعَم جَهَّزَ النَّبيُّ جَيشَ أُسَامَةَ، وَلَكِن لَمْ يَلْعَنْ مَنْ تَخَلَّفَ عَنه.

  ثَانِياً: لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ الصِّديقُ من ضِمْنِ جَيشِ أُسَامَةَ، كَيفَ وَأَبُو  بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَانَ يُصَلِّي بِالمُسْلِمينَ فِي مَرَضِ النَّبيِّ اثني عَشرَ يَوماً، فَكَيفَ يُخْرِجُه وَيأمُرُه بالصَّلاةِ في وقتٍ واحدٍ؟! أَمَّا عُمَرُ: فَكَانَ مِن ضِمْنِ جَيشِ أُسَامةَ، فَلَمَّا تُوُفِّي النَّبيُّ وَلَم يَخْرُجْ بعدُ جَيشُ أُسَامةَ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لأُسَامةَ بنِ زَيدٍ فَسَأَلَه أَنْ يُبْقِي عُمَرَ لِيَسْتَشِيرَه فِي أُمُورِه. وهَذَا مِن عَظِيمِ خُلُقِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وإِلَّا فإنه يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبقِي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ بدُون إِذنِ أُسَامةَ رَضِي  اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ عنهم أَجْمَعِين، فأَذِنَ له أُسامةُ فبقي عُمَرُ مَعَ أَبِي بَكِر الصّدِّيقِ.

  فهَذِه قِصَّةُ أُسَامَةَ، لَا كَمَا يدّعون([1]).

 

([1])    انظر: «تَاريخ الطَّبَرِيِّ» (٢/٤٢٩)، و«الكامل» (٢/٢١٥)، و«البداية والنهاية» (٥/٢٠٣) وما بعدها.