المبحث الأول

مَاذَا يُرِيدُ الطَّاعِنُونَ في أصْحَابِ مُحَمَّدٍ؟

  لا  بُدَّ مِنَ التَّنْبِيهِ إلىٰ أَمْرٍ مُهِمٍّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ العَدَالَةِ العِصْمَةُ، نَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ بِعَدَالَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ  ﷺ إلا أننا لَا نَقُولُ بِعِصْمَتِهِمْ مُطْلَقاً فَهُم بَشَرٌ، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ  ﷺ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ»([1])، وَهُم مِنْ أَوْلادِ آدَمَ يُخْطِئُونَ وَيُصِيبُونَ، وَإِنْ كَانَتْ أَخْطَاؤُهُمْ مَغْمُورَةً فِي بُحُورِ حَسَنَاتِهِم رضي الله عنهم.

  قالَ الإمام مالك في الذين يَقْدَحُون في الصَّحابةِ: «إِنَّما هَؤلاءِ أقوامُ أَرادوا القَدْحَ في النبي  ﷺ، فلم يُمكنهم ذلك، فَقَدَحُوا في أَصحابِه حتىٰ يُقالَ: رجلُ سُوءٍ، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابهُ صالحينَ»([2]).

  يُمْكنُنَا أَن نُقَسِّمَ الطَّاعِنينَ في أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ إِلىٰ قِسْمَينِ:

  القسم الأول: مَنْ يَطْعَنُونَ فِيهم لشُبْهَةٍ وَقَعَت لَهُم، وَبِسَبَبِ تَلْبِيسِ عُلَماِء السّوءِ عَلَيهم.

  القسم الثَّاني: مَنْ يَطْعَنُونَ فِيهم؛ لأَنَّهم نَقَلَةُ هَذَا الدِّين ــــ نَقَلَةُ القُرْآنِ والسُّنَّةِ ــــ فَإِذَا لَم نَثِقْ بِنَقَلَةِ القُرْآنِ والسُّنَّةِ، فبالتَّالِي لَن نَثِقَ بِمَا نَقَلُوهِ لاِحْتِمَالِ أَنَّهُم زَادُوا فِيه أَو نَقَصُوا، وَذَلِكَ لِعَدمِ عَدَالَتِهِم، وَهَذَا هُو الخَطَرُ الحَقِيقِيُّ؛ لأَنّ المُحَصِّلَةَ النِّهَائِيةَ هِي الطَّعْنُ في دِينِ  اللهِ لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِالنَّقَلَةِ.

  قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ  رحمه الله ــــ في كَلِماتٍ لو خُطَّتْ بِمَاءِ الذَّهَبِ لَمَا كَانَ كَثيراً ــــ: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَطْعَنُ في أصْحَابِ رَسُولِ  الله فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ، وَذَلِكَ أَنَّ القُرْآنَ عِنْدَنا حَقٌّ والسُّنَّةَ عِندَنا حَقٌّ، وَإِنَّما نقل لَنَا القُرْآنَ والسُّنَنَ أَصْحابُ مُحَمَّدٍ، وَهَوُلاءِ يُرِيدُونَ أَن يَجْرَحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الكِتَابَ والسُّنَّةَ، وَالجَرْحُ بِهِم أَولَىٰ وَهُم زَنَادِقَةٌ»([3]).

 

([1])    «مسند أحمد» (٣/١٩٨).

([2])   «الصارم المسلول» لابن تيمية (ص٥٥٣).

([3])   «تاريخ دمشق» لابن عساكر (٥٩/١٤١).