البابُ الثَّاني

عَدَالةُ الصَّحابَةِ  رضي الله عنهم

 

الفَصْلُ الأولُ

تَعْريفُ الصَّحابِي لُغَةً واصْطِلاحاً

الصّحابيُّ لُغَةً:

  نِسْبَةً إِلَىٰ صَاحِبٍ، وَلَه فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ تَدُورُ حَولَ المُلَازَمَةِ وَالانْقِيادِ([1]).

واصْطِلَاحاً:

  قالَ الإِمامُ الزَرْكَشِيُّ  رحمه الله: «ذَهَبَ الأَكثَرونَ إِلىٰ أَنَّ الصَّحابِيَّ مَنْ اجْتمَعَ ــــ مُؤْمناً ــــ بسيدِنا مُحمدٍ  ﷺ وَصَحِبَهُ ولو ساعةً، رَوىٰ عنه أَو لا؛ لِأنَّ اللغَةَ تَقْتَضِىٰ ذلك، وإِنْ كانَ العُرْفُ يَقْتَضِىٰ طُولَ الصُّحْبَةِ وكَثرَتِها.. وهُو ما ذَهَبَ إِليهِ جُمْهورُ الأُصوليينَ، أمَّا عِنْدَ أَصحابِ الحديثِ فَيَتَوسَّعُونَ في تَعْرِيفِهم لِشَرَفِ مَنزلةِ النبيِّ  ﷺ»([2]).

  وقالَ الإِمامُ ابنُ حَزْمٍ  رحمه الله: «فَأَمَّا الصَّحابةُ  رضي الله عنهم فَهُم كُلُّ مَنْ جَالسَ النبيَّ  ﷺ ولو ساعةً، وسَمِعَ مِنْهُ ولو كَلِمَةً فما فَوقَها، أو شاهَدَ مِنه   أَمراً يَعيهِ»([3]).

  وقالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ  رحمه الله: «وأَصَحُّ ما وَقَفْتُ عليه مِنْ ذلك أَنَّ الصَّحابِيَّ هو مَنْ لَقِيَ النبيَّ  ﷺ مُؤْمناً بِه، وماتَ علىٰ الإِسلامِ، وَلَوْ تَخَلَّلَتْ رِدةٌ علىٰ الأَصَحِّ».

  وذَهَبَ إليهِ الجُمْهورُ مِنَ الأصُوليِينَ، مِنْهُم الَآمِدِىُّٰ([4])، والشَّوكَانيُّ([5]).

  قالَ الحافظُ السَّخاوِىُّٰ  رحمه الله: «والعَمَلُ عليه عِنْد المحدِّثينَ والأُصوليين»([6]).

  قلت: وذلك لِشَرَفِ منزلةِ النبيِّ وَبَركَتهِ  ﷺ، ويَشهدُ لهذا قولُه: «طُوبَىٰ لِمَن رَآَني وآَمَنَ بي، وَطُوبىٰ لَمِن رَأَىٰ مَنْ رَآَني، وَلِمَن رَأىٰ مَنْ رَأَىٰ مَنْ رَآني وآَمَنَ بي»([7]).

  وقالَ السُّبْكيُّ  رحمه الله: «والصّحابِيُّ هُوَ كُلُّ مَن رأىٰ النبيَّ  ﷺ مُسْلماً، وِقيل: مَنْ طَالَتْ مُجالسَتُه، والصحيحُ الأولُ، وذلك لِشَرفِ الصُّحبةِ، وَعِظَمِ رُؤيةِ النبيِّ  ﷺ، وذلك أَنَّ رُؤْيةَ الصَّالحينَ لهاَ أَثَرٌ عَظِيمٌ، فَكَيْفَ رُؤْيةُ سَيِّدِ الصَّالحين؟! فإِذا رآهُ مُسْلِمٌ ولو لَحْظَةً، انْطَبَعَ قَلْبُه علىٰ الاستقامةِ؛ لأَنَّه بإسلامهِ مُتَهَيِّئٌ للقَبُولِ، فإذا قابَلَ ذلك النُّورَ العظيَم، أَشْرَقَ عليه وَظَهَر أَثَرهُ في قَلبهِ وعلىٰ جَوارِحِه»([8]).

  والصَّحَابةُ يَتَفَاوَتُونَ فِي مُلَازَمَتِهِم لِلنَّبيِّ وَفِي فَضْلِهِم عِندَ  اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ. وَعَدَالَةُ الصَّحَابةِ أَمْرٌ مُتَقَرِّرٌ عِندَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ أَقْوالِ أَهْلِ العِلْمِ مِن أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ في عَدَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ.

 

([1])    انظر: «لسان العَرَب» (١/٥١٩)، «القاموس المحيط» (١/٩١)، «الصحاح» (١/١٦٢).

([2])   «البحر المحيط في أصول الفقه» (٤/٣٠١، ٣٤٩).

([3])   «الإحكام» لابن حزم (٥/٨٦).

([4])   «الإحكام» للآمدي (٢/٨٤، ٨٥).

([5])   «إرشاد الفحول» (١/٢٧٩، ٢٨٠).

([6])   ينظر: «فتح المغيث» للسخاوىٰ (٣/٨٥).

([7])   أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٦٩٩٤)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (١٢٥٤).

([8])   «الإبهاج في شرح المنهاج» (١/١٥).