سببُ خروجِ أهلِ المَدينةِ علىٰ يزيدَ
21-03-2023
وأمّا سببُ خروجِ أهلِ المَدينةِ علىٰ يزيدَ ما يلي:
أولاً: غَلبةُ الظنِّ بأنَّه بالخروجِ يُحصّلُ المَصْلَحَةَ المَطلوبَةَ، ويُرجعُ الشُّورىٰ إلىٰ حياةِ المُسْلمينَ، ويتولىٰ المُسلمينَ أفْضَلُهمْ.
ثانياً: عَدَمِ عِلْمِ البَعضِ منهم بالنُّصوصِ النَّبويةِ الخاصَّةِ بالنَّهي عنِ الخروجِ علىٰ الأئمَةِ.
قال القاضي عياض بشأنِ خروجِ الحسينِ وأهلِ الحرَّةِ وابْنِ الأشعثِ وغيرهم: «علىٰ أن الخلافَ وهو جوازُ الخروجِ أو عدمُهُ كان أولاً، ثمَّ حصلَ الإجماعُ علىٰ منعِ الخروجِ عليهم، واللهُ أعلم»([1]).
ومِنَ المَعْلومِ أنَّ أهلَ الحَرَّةِ متأولونَ، والمُتَأوِّلُ المُخطئُ مغفورٌ لَهُ بالكتابِ والسُّنةِ؛ لأنَّهمْ لا يريدونَ إلا الخيرَ لأمَّتِهِم، فخروجُ أهلِ الحَرَّةِ كان بتأويلٍ، ويزيدُ إنَّما يُقاتِلُهُمْ لأنَّه يرىٰ أنَّهُ الإمامُ، وأنَّ مَنْ أرادَ أنْ يُفَرِّقَ جمْعَ المُسْلمينَ فواجبٌ مُقاتلتُهُ وقَتْلُهُ، كما ثَّبتَ ذلكَ في الحديثِ الصَّحيحِ.
وأرْسَلَ لَهُمْ يزيدُ مسلمَ بْنَ عُقبةَ ــــ ويُسميهِ البعضُ مُسْرفَ بْنَ عُقبةَ ــــ واستباحَ المدينةَ ثلاثةَ أيامٍ قتلاً، وهذا أشدُّ ما يَعيبُهُ أهلُ العِلْمِ علىٰ يَزيدَ.
وأمّا حِصارُ ابْنِ الزُّبيرِ؛ فقامَ بهِ حُصينُ بنُ نميرٍ بَعْدَ موتِ مُسْلمِ بنِ عُقْبةَ بأمْرِ يزيدَ، واسْتَمرَّ الحِصارُ قريباً مِن شَهرينِ، ورمىٰ حُصينٌ المَنْجَنيقَ علىٰ أهلِ مَكَّةَ، وانْهزمَ أهلُ الشّامِ لما بَلَغَهُم موتُ يزيدَ مُنْتَصفَ شهرِ ربيعٍ الأوَّل.
ولمَّا ماتَ يزيدُ بويعَ بعدهُ ابنُه معاويةُ بْنُ يزيدَ، فبقيَ في الخِلافَةِ أربعينَ يوماً وقيلَ: شهرينِ أو أكثر متمرضاً، فلمّا احتضرَ قيلَ له: ألا تَستخلِفْ؟ فأبىٰ، وقال: ما أصَبْتُ مِنْ حلاوتها، فَلِمَ أتَحَمّل مرارتَها.
قال الذَّهبيُّ: «وكان شاباً صالِحاً، عاشَ إحْدىٰ وعِشرينَ سَنَةً»([2]).
فأرادتْ بنو أمَيَّةَ عثمانَ بنَ عَنْبَسَةَ بْنِ أبي سُفيانَ علىٰ الخِلافَةِ، فامْتَنَعَ ولَحِقَ بخالِهِ عبدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.