ما عيب على يزيد:

  وعيبَ علىٰ يزيدَ ثلاثةُ أمورٍ:

  أولاً: عدمُ معاقبةِ قَتلةِ الحُسينِ رضي الله عنه.

  ثانياً: وقْعَةُ الحَرَّة (٦٣هـ).

  ثالثاً: حصارُ ابنِ الزبيرِ في مكةَ.

  أما عدمُ المُعاقبةِ؛ فيلامُ عليهِ، ولكنْ لا نُبالغ فيهِ، فإنَّ علياً لمْ يعاقبْ المشاركينَ في قَتلِ عثمانَ.

  وأما وقْعةُ الحَرَّةِ؛ فقالَ الدّكتور سعود الزَّمانان: «أمّا إباحةُ المدينةِ ثلاثاً لجُندِ يزيدَ يعبثونَ بها، يقتلونَ الرّجالَ ويَسبونَ الذُّريةَ ويَنْتَهكونَ الأعراضَ؛ فهذه التي تُسمىٰ وقْعةَ الحَرَّة، وهذه كلُّها أكاذيبُ ورواياتٌ لا تصحُّ، فلا يوجدُ في كتبِ السُّنَّةِ أو في تلكَ الكتبِ التي أُلِّفتْ في الفِتَنِ خاصّةً، كالفتنِ لنُعيمِ بنِ حمّادٍ أو الفتنِ لأبي عمرو الدّاني أيُّ إشارةٍ لوقوعِ شيءٍ مِن انتهاكِ الأعراضِ، وكذلكَ لا يوجدُ في أهَمِّ المصدرينِ التاريخيينِ عَنْ تلكَ الفَتْرةِ: الطَّبري والبلاذِريّ أيُّ إشارةٍ لوقوعِ شيءٍ مِنْ ذلك، وحتىٰ تاريخُ خليفةٍ علىٰ دِقَّتِهِ واختصارِهِ لمْ يَذْكُر شيئاً بهذه الصّدَدِ، وكذلك إنَّ أهمَّ كتابٍ للطَّبقاتِ ــــ وهو طبقاتُ ابنِ سَعدٍ ــــ لَمْ يُشِرْ إلىٰ شيءٍ مِنْ ذلكَ في طَبقاتِه»([1]).

  قال خليفة: «فجميعُ مَن أصيبَ مِنْ قريشٍ والأنصارِ يومَ الحَرَّةِ ثلاثمئةٍ وستةُ رجالٍ»([2]).

  واللَّومُ عليهِ بأنَّ رَدَّةَ الفعلِ كانتْ أكبرَ مِنَ الفِعْلِ بكثيرٍ، وكانَ سبُبها أنَّ أهلَ المدينةِ لمَّا خلعوا يزيدَ بنَ معاويةَ وولوا علىٰ قريشٍ عبد الله بنَ مطيع، وعلىٰ الأنصارِ عبد الله بنَ حنظلةَ بنَ أبي عامرٍ، فلمّا كانَ في أولِ هذه السَّنةِ أظهروا ذلكَ، واجتَمعوا عند المِنْبَرِ فجعلَ الرَّجلَ منهم يقول: قدْ خَلعتُ يزيدَ كما خلعتُ عمامتي هذه، ويلقيها عنْ رأْسِهِ، ويقولُ الآخَرُ: قد خَلَعْتهُ كما خلعتُ نعلي هذه، حتىٰ اجْتَمعَ شيءٌ كثيرٍ من العمائمِ والنِّعالِ هناك، ثمَّ اجتمعوا علىٰ إخراج عامِلِ يزيدَ مِنْ بَينِ أظهرهم، وهو عُثمانُ بنُ محمدِ بنِ أبي سفيانَ ــــ ابنُ عمِّ يزيدَ ــــ وعلىٰ إجلاءِ بني أميةَ مِنَ المَدينةِ، فاجتمعتْ بنو أميةَ في دارِ مروانَ بنِ الحَكَمِ، وأحاطَ بهم أهلَ المدينةِ يحاصرونَهم، واعتزلَ الناسَ عبدُ الله بنُ عمر، ومحمدُ بنُ علي، وعليُّ بنُ الحُسينِ زينُ العابدين؛ لم يخلعوا يزيدَ، وكذلكَ لمْ يَخْلَعْ يزيدَ أحدٌ من بني عبدِ المُطّلب([3]).

  قال ابن كثير رحمه الله: «وقدْ أخطأَ يزيد خطأً فاحشاً في قوله لمسلم بنِ عقبةَ أنْ يبيحَ المدينةَ ثلاثةَ أيامٍ، وهذا خطأٌ كبيرٌ فاحشٌ، مع ما انضمَّ إلىٰ ذلك مِنْ قتلِ خلقٍ مِنَ الصّحابةِ وأبنائِهمْ، وقد قُتلَ الحُسينُ وأصحابُهُ علىٰ يدي عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ ــــ أي في خلافَتِهِ، وقَدْ وقعَ في هذه الثَّلاثَةِ أيام مِنَ المفاسِدِ العَظيمَةِ في المدينةِ النَّبويةِ ما لا يُحَدُّ ولا يوصفُ، مما لا يَعْلَمُهُ إلا الله »([4]).

  إنَّ الذين خرجوا علىٰ يزيدَ بنِ معاويةَ مِنْ أهلِ المدينةِ كانوا قدْ بايعوه بالخلافَةِ، وقدْ حَذّرَ النَّبيُّ ﷺ مِنْ أن يُبايعَ الرّجلُ الرجلَ ثمّ يخالف إليه ويقاتلُهُ، فقدْ قال النّبيُّ ﷺ: «ومَنْ بايعَ إماماً فأعطاهُ صَفْقَةَ يدِهِ وثَمَرَةَ قلبِهِ؛ فَلْيُطعْهُ ما استطاعَ، فإنْ جاءَ أحدٌ ينازعُهُ فاضربوا رقبةَ الآخر»([5]).

  وإنَّ الخروجَ علىٰ الإمامِ لا يأتي بِخَيرٍ، فقدْ جاءتِ الأحاديثُ الصّحيحةُ التي تُحذّرُ مِنَ الإقدامِ علىٰ مثلِ هذه الأمورِ، ومعركةُ الحَرَّةِ تُعتبرُ فتنةً عَظيمَةً، والفتنةُ يكونُ فيها منَ الشُّبهاتِ ما يُلبسُ الحقَّ بالباطِلِ، حتىٰ لا يَتَميزَ لكثيرٍ مِنَ الناسِ، ويكونُ فيها مِنَ الأهواءِ والشَّهواتِ ما يَمْنَعُ قصدَ الحقِّ وإرادتَهُ، ويكونُ فيها ظهورُ قوةِ الشَّرِ ما يُضْعفُ القُدْرَةَ علىٰ الخير، فالفتنةُ كما قال شَيْخُ الإسلامِ: «إنّما يُعرف ما فيها مِنَ الشَّرِ إذا أدْبَرتْ، فأما إذا أقبَلتْ فإنها تُزَيَّن، ويُظنُّ أنَّ فيها خَيْراً»([6]).

 

([1])    «هل يجوز لعن يزيد» (ص٦).

([2])   «تاريخ خليفة» (ص٢٤٥).

([3])   «البداية والنهاية» (٨/٢٣٨).

([4])   «البداية والنهاية» (٨/٢٤٣).

([5])   أخرجه مسلم (٤٨٨٢).

([6])   «منهاج السنة» (٤/٤٠٩).