مَوقفُ يَزيِدَ مِنْ قَتْلِ الحُسينِ
21-03-2023
المبحث الخامس
مَوقِفُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ مِن يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيةَ
مَوقفُ يَزيِدَ مِنْ قَتْلِ الحُسينِ:
لَمْ يَكُن ليزيدَ يَدٌ في قَتْلِ الحُسينِ، وَلَيس هَذَا دِفَاعاً عن يزيدَ وَلَكنَّه دِفَاعٌ عن الحقِّ، وقد بَيَّنَّا ذلك فيما مضىٰ (مِنْ قَتْلِ الحسين).
أَرْسَلَ يزيدُ عبيدَ الله بنَ زيادٍ لِيَحُولَ بينَ الحُسينِ والوصولِ إلىٰ الكوفةِ، وَلم يَأْمُرْه بِقَتْلِهِ، بل الحُسيْنُ نفسُه كان حَسَنَ الظَّنِّ بيزيدَ حِين قَال: «دَعُونِي أَذهب إِلىٰ يزيدَ فَأَضَع يَدي فِي يَدِهِ».
قالَ ابنُ الصّلاحِ: «لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنا أنّهُ أمَرَ بِقَتْلِهِ رضي الله عنه، والمَحْفوظُ أنَّ الآمِرَ بِقِتالِهِ المُفْضي إلىٰ قَتْلِهِ ــــ كَرَّمهُ الله ــــ إنَّما هو عُبيدُ الله بنُ زيادٍ والي العِراقِ إذْ ذاكَ. وأمّا سَبُّ يزيدَ ولعْنُهُ فَلَيسَ مِنْ شأنِ المؤمنين، فإنْ صَحَّ أنّهُ قَتَلَهُ أو أمرَ بقَتلهِ وقَدْ وَرَدَ في الحديثِ المَحْفوظِ: «أنّ لَعْنَ المُسْلِمِ كَقَتلِهِ»، وقاتلُ الحُسينِ رضي الله عنه لا يَكْفُرُ بذلك، وإنّما ارْتكبَ عَظيماً وإنّما يَكْفُر بالقَتْلِ قاتلُ نَبِيٍّ مِنَ الأنبياءِ»([1]).
قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْميّةَ: «إن يزيدَ بنَ مُعاويةَ لم يَأمُرْ بِقَتْلِ الحُسَيْنِ باتفاقِ أهلِ النَّقلِ، ولكن كَتَبَ إلىٰ ابنِ زيادٍ أن يَمنعَهُ عن ولايةِ العِرَاقِ، وَلَمَّا بَلَغَ يَزِيدَ قَتْلُ الحُسَينِ أَظْهَرَ التَّوَجُّعَ عَلَىٰ ذَلِكَ، وظَهَرَ البُكَاءُ فِي دَارِه، وَلَم يَسْبِ لَهُم حَرِيماً، بل أَكْرَمَ أَهْلَ بَيتِه، وأَجَازَهُم حَتَّىٰ رَدَّهُم إِلَىٰ بِلَادِهِم.
أَمَّا الرِّوَايَاتُ الَّتي فِيهَا أَنَّه أُهِينَ نساءُ آلِ بيتِ رَسُولِ الله، وأَنَّهُنَّ أُخِذْنَ إِلَىٰ الشَّامِ مَسْبِيَّاتٍ، وأُهِنَّ هُنَاكَ، هَذَا كُلُّه كَلامٌ بَاطِلٌ، بلْ كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ يُعِظِّمُونَ بَنِي هَاشِمٍ، وَلِذَلِكَ لَمَّا تَزَوَّجَ الحَجَّاجُ بنُ يُوسفَ فَاطِمةَ بنتَ عَبدِ اللهِ بنِ جَعْفرٍ لَمْ يَقْبلْ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَرَوَانَ هَذَا الأَمْرَ، وَأَمَرَ الحَجَّاجَ أَنْ يَعْتَزِلَهَا ويُطَلِّقَهَا، فَهُم كُانُوا يُعَظِّمُونَ بَنِي هَاشِمٍ، بَلْ لَمْ تُسْبَ هَاشِمِيَّةٌ قَط»([2]). فَالهَاشِمِيَّاتُ كُنَّ عَزِيزَاتٍ مُكَرَّمَاتٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ.
وَمَا ذُكِرَ أَنَّ رَأْسَ الحُسَينِ أُرْسِلَ إِلَىٰ يَزِيدَ فَهَذَا أَيضاً لَم يَثْبُتْ، بَلْ إِنَّ رَأْسَ الحُسَينِ بَقِي عِندَ عُبيدِ اللهِ في الكُوفَةِ، ودُفِنَ الحُسَينُ، وَلَا يُعْلَمُ قَبْرُه ولَكِنَّ المَشْهُورَ أَنَّه دُفِنَ فِي كَرْبلَاء حَيثُ قُتِلَ رضي الله عنه.