بِدْعَتَانِ مُحْدَثَتَانِ:

  قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمَيَّةَ: «بَعدَ مَقْتَلِ الحُسَينِ أَحْدَثَ النَّاسُ بِدْعَتَينِ:

  الأَولَىٰ: بِدْعةُ الحُزْنِ والنَّوحِ يَومَ عَاشُورَاء مِنَ اللّطْمِ والصُّرَاخِ وَالبُكاءِ والعَطَشِ وإِنْشَادِ المَرَاثِي، وَمَا يُفْضِي إِلَيه ذَلِكَ مِن سَبِّ السَّلَفِ، ولَعْنَتِهم وإِدْخَالِ مَن لَا ذَنْبَ لَه مَعَ ذَوِي الذُّنُوبِ حَتَّىٰ يُسَبَّ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ، وَتُقْرَأُ أَخْبَارُ مَصْرَعِه الَّتي كَثيرٌ مِنْها كَذِبٌ، وَكَانَ قَصْدُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ فَتْحَ بَابِ الفِتْنَةِ وَالفُرْقَةِ بَينَ الأُمَّةِ، وَإِلَّا فَمَا مَعْنَىٰ أَنْ تُعَادَ هَذِه الذّكْرَىٰ في كُلِّ عَامٍ مَع إِسَالةِ الدِّمَاءِ وَتَعْظِيمِ المَاضِي وَالتَّعلُّقِ بِهِ وَالالْتِصَاقِ بالقُبُورِ.

  الثَّانية: بِدْعَةُ الفَرَحِ والسُّرُورِ وتَوزِيعُ الحَلْوَىٰ والتَّوسِعَةُ عَلَىٰ الأَهْلِ يَومَ مَقْتَلِ الحُسَينِ. وَكَانَتِ الكُوفَةُ بِهَا قَومٌ مِنَ المُنْتَصِرِينَ لآلِ البيتِ، وَكَانَ رَأْسُهُم المُخْتَارُ ابن أَبي عُبيدِ المُتَنبئ الكَذَّابُ وقَومٌ من المُبْغِضِينَ لآلِ البيتِ ومِنْهُم الحَجَّاجُ بنُ يوسفَ الثَّقَفِيُّ، وَلَا تُرَدُّ البدعةُ بِالبدْعَةِ بلْ تُرَدُّ بإِقَامةِ سُنَّةِ النَّبيِّ المُوَافِقَةُ لِقَولِه تَعَالَىٰ: ﴿ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ١٥٦﴾ [البقرة: ١٥٦]([1]).

  قال مُحَمّدُ بنُ الحُسَينِ الآجُرِّي رحمه الله: «عَلىٰ مَنْ قَتَلَ الحُسَينَ بْنَ عليٍّ  لَعْنَةُ الله ولَعْنَةُ اللاعنينَ، وعلىٰ مَنْ أعانَ علىٰ قَتْلِهِ وعلىٰ مَنْ سبَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ وسَبَّ الحَسَنَ والحُسَينَ أو آذىٰ فاطمةَ في ولدِها، أو آذىٰ أهلَ بيتِ رسول الله ﷺ، فَعَلَيهِ لَعْنَةُ الله وغضَبُهُ، لا أقَامَ الله الكريمُ له وزْناً، ولا نَالَتْهُ شَفاعَةُ محمدٍ ﷺ»([2]).

  وقال ابن تيمية رحمه الله: «وأمّا مَن قَتَلَ الحُسَينَ أَو أَعانَ عَلَىٰ قَتلِهِ أَو رَضي بِذَلِكَ فَعَلَيهِ لَعنةُ الله والمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجمَعينَ؛ لا يَقبَلُ الله مِنهُ صَرفاً ولا عَدلاً. قال: فَما تُحِبّونَ أَهلَ البَيتِ؟ قُلت: مَحَبَّتُهُم عندَنا فَرضٌ واجِبٌ يُؤجَرُ عَلَيهِ فانَّهُ قَد ثَبَتَ عندَنا في «صَحيحِ مُسلِمٍ» عن زَيدِ بنِ أَرقَم قال: خَطَبَنا رَسولُ الله بِغَديرِ يُدعَىٰ خُمّاً بَينَ مَكَّةَ والمَدينَةِ، فَقال: «أَيُّها النّاسُ، إنّي تارِكٌ فيكُم الثَّقَلَينِ: كِتابَ الله». فَذَكَرَ كِتابَ الله وحَضَّ عَلَيهِ، ثُمَّ قال: «وعِتْرَتي أَهلُ بَيتي، أُذَكِّرُكُم الله في أَهلِ بَيتي، أُذَكِّرُكُم الله في أَهلِ بَيتي». ونَحنُ نَقولُ في صِلاتِنا كُلَّ يَومٍ: اللهمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وعَلَىٰ آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيت عَلَىٰ إبراهيمَ، إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ، وبارِك عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وعَلَىٰ آلِ مُحَمَّدٍ، كَما بارَكت عَلَىٰ آلِ إبراهيمَ، إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ. ومَن أَبغَضَ أهل البيت فَعَلَيهِ لَعنةُ الله والمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجمَعينَ، لا يَقبَلُ الله مِنهُ صَرفاً ولا عَدلاً»([3]).

 

([1])    «منهاج السُّنَّة» (٥/٥٥٤، ٥٥٥) بتصرف.

([2])   «الشريعة» (٥/٢١٨٣).

([3])   «مجموع الفتاوى» (٤/٤٨٧).