موقِفُ النَّاسِ مِن قَتْلِ الحُسَينِ
21-03-2023
المبحثُ الرابعُ
موقِفُ النَّاسِ مِن قَتْلِ الحُسَينِ
لا شَكَّ ولَا ريبَ أَنَّ مَقْتلَ الحُسَينِ رضي الله عنه كَانَ من المَصَائِبِ العَظِيمةِ الَّتي أُصِيبَ بِهَا المُسْلِمُونَ، فَلَم يَكُنْ عَلَىٰ وَجْهِ الأَرْضِ ابنُ بِنتِ نَبِيٍّ غَيرَه، وَقَدْ قُتِلَ مَظْلُوماً رضي الله عنه، وقَتْلُه بِالنِّسْبَةِ لنا مُصِيبةٌ، وفي حَقِّه شَهَادَةٌ وكَرَامَةٌ ورَفْعُ دَرَجةٍ وقُرْبَىٰ مِنَ اللهِ حيثُ اخْتَارَه لِلآخِرَةِ ولِجَنَّاتِ النَّعيمِ بَدَلَ هَذِه الدُّنْيَا الكَدِرَةِ.
ونَحْنُ نَقُولُ: لَيْتَهُ لَمْ يَخْرُجْ، وَلِذَلِكَ نَهَاهُ أَكَابِرُ الصَّحَابةِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بَلْ بِهَذَا الخُرُوجِ نَالَ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ الطُّغَاةُ مِن سِبْطِ رَسُولِ الله حَتَّىٰ قَتَلُوه مَظْلُوماً شَهِيداً، وكَانَ فِي قَتْلِه مِنَ الفَسَادِ الذي مَا لَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ لَو قَعَدَ فِي بَلَدِه.
وَلَكِنَّه أَمْرُ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ، مَا قَدَّرَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ كَانَ وَلَو لَمْ يَشَأِ النَّاسُ.
وَقَتْلُ الحُسَينِ لَيسَ بِأَعْظَمَ مِن قَتْلِ الأَنْبِياءِ، وقَدْ قُدِّمَ رَأْسُ يَحيَىٰ بنِ زَكَرِيّا مَهْراً لِبَغِيٍّ، وقُتِلَ زَكَرِيّا، وكَذَلِكَ قُتِلَ عُمَرُ وعُثْمانُ وعَلِيٌّ، وهَؤُلاءِ كُلُّهُم أَفْضَلُ مِنَ الحُسَينِ رضي الله عنهم وعنه، فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ للإِنْسَانِ إِذَا تَذَكَّرَ مَقْتَلَ الحُسَينِ أَنْ يَقُومَ بِاللَّطْمِ والشَّقِّ وَمَا شَابَه ذَلِكَ، بَلْ كُلُّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْه، فَإِنَّ النَّبيِّ قَالَ: «لَيسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ وشَقَّ الجُيُوبَ»([1]).
وَقَالَ: «أَنَا بَريءٌ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ»([2]). والصَّالِقَةُ الَّتِي تَصِيحُ، والحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا، والشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ ثيابَها.
وَقَالَ: «إِنَّ النَّائِحَةَ إِذَا لَمْ تَتُبْ، فَإِنَّهَا تَلْبَسُ يَومَ القِيَامَةِ دِرْعاً من جَرَبٍ، وَسِرْبَالاً من قَطِرَان»([3]).
فَالوَاجِبُ عَلَىٰ المُسْلِمِ إِذَا جَاءَتْ أَمْثَالُ هَذِه المَصَائِبِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ: ﴿ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ١٥٦﴾ [البقرة: ١٥٦].
مَوقِفُ النَّاسِ مِن قَتْلِ الحُسَينِ:
النَّاسُ في قَتْلِ الحُسَينِ علىٰ ثَلَاثِ طَوَائِف:
الطَّائِفةُ الأُولَىٰ: يَرَوْنَ أَنَّ الحُسَينَ قُتِلَ بِحَقٍّ، وَأَنَّه كَانَ خَارِجاً عَلَىٰ الإِمَامِ، وَأَرَادَ أَن يَشُقَّ عصا المُسْلِمينَ، وَقَالُوا: قَالَ رَسُولُ الله: «مَنْ جَاءَكُم وأَمْرُكُم عَلَىٰ رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُم فَاقْتُلُوه كَائِناً مَنْ كَانَ»([4])، والحُسَينُ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعةَ المُسْلِمينَ، والرَّسُولُ قَالَ: «كَائِناً مَنْ كَانَ» اقْتُلُوه فَكَانَ قَتْلُه صَحِيحاً، وَهَذَا قَولُ النَّاصِبَةِ([5]) الَّذينَ يُبْغِضُونَ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ رضي الله عنه وعَن أَبِيه.
الطَّائِفةُ الثَّانيةُ: قالوا: هو الإمامُ الذي تَجِبُ طاعتُهُ، وكان يَجِبُ أن يُسَلَّمَ إليه الأمرُ، وهو قولُ الشيعةِ.
الطَّائِفةُ الثَّالثةُ: وَهُم أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ قَالُوا: قُتِلَ مَظْلُوماً، ولَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّياً للأَمْرِ؛ أَي: لَمْ يَكُن إِمَاماً، ولَا قُتِلَ خَارِجِيّاً رضي الله عنه، بَلْ قُتِلَ مَظْلُوماً شَهِيداً، كَمَا قَالَ النَّبيُّ: «الحسَنُ والحسينُ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنةِ»([6]).
وذلك أنَّه أَرَادَ الرُّجُوعَ أَوِ الذّهَابَ إِلَىٰ يَزِيدَ فِي الشَّامِ، ولَكِنَّهُم مَنَعُوه حَتَّىٰ يَسْتَأْسِرَ لابنِ زِيَادٍ، وقد كان رضي الله عنه أهلاً للخلافة وهو وغيره من أصحاب النبي ﷺ أحق بالخلافة من يزيد.
([1]) أخرجه البُخَارِيّ (١٢٩٤)، ومسلم (١٠٣).
([2]) أخرجه البخاري (١٢٩٦)، ومُسْلِم (١٤٠/١٦٧).