الحسين يُذَكِّرُ جَيْشَ الكوفةِ باللهِ:

  وَكَانَ عَدَدُ الَّذينَ مَعَ الحُسَينِ اثْنينِ وسَبْعِينَ فَارِساً، وجَيشُ الكُوفَةِ خَمسةَ آلافٍ، ولَمَّا تَوَاقَفَ الفَرِيقَانِ قَالَ الحُسَينُ لِجَيشِ عبيدِ  الله: رَاجِعُوا أَنْفُسَكُم وحَاسِبُوهَا، هَلْ يَصْلُحُ لَكُم قِتَالُ مِثْلِي؟ وَأَنَا ابنُ بِنتِ نَبِيِّكُم، وَلَيسَ عَلَىٰ وَجْهِ الأَرْضِ ابنُ بِنتِ نَبِيٍّ غَيرِي، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ  اللهِ لِي وَلأَخِي: «هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ»([1]).

  وَصَارَ يَحُثُّهُم عَلَىٰ تَرْكِ أَمْرِ عُبيدِ  اللهِ بنِ زِيَادٍ والانْضِمَامِ إِلَيه، فَانْضَمَّ لِلحُسَينِ مِنْهُم ثَلَاثُونَ، فِيهم الحَرُّ بنُ يَزِيدَ التَّمِيمِيُّ الَّذِي كَانَ قَائِدَ مُقَدِّمَةِ جَيشِ عُبيدِ  اللهِ بنِ زِيَادٍ. فَقِيلَ لِلحُرِّ بنِ يَزِيدَ: أَنْتَ جِئْتَ مَعَنَا أَمِيرَ المُقَدِّمَةِ وَالآنَ تَذْهَبُ إِلَىٰ الحُسَينِ؟!

  فَقَالَ: وَيْحَكُم وَاللهِ إِنِّي أُخَيِّرُ نَفْسِي بَينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، واللهِ لَا أَخْتَارُ عَلَىٰ الجَنَّةِ وَلَو قُطِّعْتُ وَأُحْرِقْتُ.

  بَعدَ ذَلِكَ صَلَّىٰ الحُسَينُ الظَّهْرَ وَالعَصْرَ مِن يَومِ الخَمِيسِ، صَلَّىٰ بِالفَرِيقَينِ بِجَيشِ عُبيدِ  اللهِ بنِ زِيَادٍ وبِالَّذينَ مَعَه، وَكَانَ قَالَ لَهُم: مِنْكُم إِمَامٌ ومِنَّا إِمَامٌ. قَالُوا: لَا، بَلْ نُصَلِّي خَلْفَكَ، فَصَلَّوا خَلْفَ الحُسَينِ الظُّهْرَ والعَصْرَ، فَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ المَغْرِبِ تَقَدَّمُوا بِخُيُولِهِم نَحوَ الحُسَينِ، وَكَانَ الحُسَينُ مُحْتَبِياً بِسَيفِه، فَلَمَّا رَآهُم وَكَانَ قَدْ نَامَ قَلِيلاً قَالَ: مَا هَذا؟! قَالُوا: إنَّهُم تَقَدَّمُوا.

  فَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَيهِم فَكَلِّمُوهُم وقُولُوا لَهُم: مَاذَا يُرِيدُونَ؟

  فَذَهَبَ عِشْرُونَ فَارِساً منهم العَبَّاسُ بنُ عَلِيّ بنِ أَبي طَالبٍ أَخُو الحُسَينِ فَكَلَّمُوهُم وسَأَلُوهُم؟ قَالُوا: إِمَّا أَنْ يَنْزِلَ عَلَىٰ حُكْمِ عُبيدِ  اللهِ بنِ زِيَادٍ، وَإِمَّا أَنْ يُقَاتِلَ.

  قَالُوا: حَتَّىٰ نُخْبِرَ أَبَا عَبدِ  اللهِ، فَرَجَعُوا إِلَىٰ الحُسَينِ  رضي الله عنه وأَخبَرُوه، فَقَالَ: قُولُوا لَهم: أَمْهِلُونَا هَذِهِ الّليلَةَ وَغَداً نُخْبِرُكُم حَتَّىٰ أُصَلِّي لِرَبِّي، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّي لِرَبِّي تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ، فَبَاتَ لَيلَتَه تِلك يُصَلِّي للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ، وَيَستَغْفِرُه، وَيَدعُوه هُو ومَنْ مَعَه رَضِيَ  اللهُ عَنْهُم أَجْمَعينَ.

 

([1])    أخرجه التِّرمذِيّ (٣٧٦٨). وهو ضعيفٌ مِن رِوايةِ الحُسَيْنِ، ولكنّه صحيحٌ مِن رِوايةِ حُذَيْفَةَ وأبي سعيدٍ وغيرهما، انظر: «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للألباني (٧٩٦). وكِتاب «الأحاديث الواردة في شأنِ السِّبطينِ» لكاتب هذه السطور.