خُذْلانُ أهلِ الكوفةِ لمُسلمِ بنِ عَقيلٍ:

  بَلَغَ الخَبَرُ مُسلمَ بنَ عَقِيلٍ فَخَرَجَ بِأَرْبعةِ آلافٍ، وَحَاصَرَ قَصْرَ عُبيدِ  اللهِ، وخَرَجَ أَهْلُ الكُوفَةِ مَعَه، وكَانَ عِندَ عُبيدِ  اللهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ أَشْرَافُ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُم: خَذِّلُوا النَّاسَ عن مُسلمِ بنِ عَقيلٍ، وَوَعَدَهُم بِالعَطَايَا وَخَوَّفَهُم بِجَيشِ الشَّامِ، فَصَارَ الأُمَرَاءُ يُخَذِّلُونَ النَّاسَ عن مُسلمِ ابنِ عَقِيلٍ، فَمَا زَالَتِ المَرْأةُ تَأْتِي وتَأْخُذُ وَلَدَهَا، وَيَأْتِي الرَّجُلُ وَيَأخُذُ أَخَاه، وَيَأْتِي أَمِيرُ القَبِيلَةِ فَيَنْهَىٰ النَّاسَ، حَتَّىٰ لَمْ يَبْقَ مَعَه إِلَّا ثَلَاثُونَ رَجُلاً من أَرْبعةِ آلافٍ! وَمَا غَابَتِ الشَّمْسُ إِلَّا ومُسلمُ بنُ عَقِيلٍ وَحْدَه، ذَهَبَ كُلُّ النَّاسِ عَنه، وَبقِي وَحيداً يَمْشِي في دُرُوبِ الكُوفَةِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، فَطَرَقَ البَابَ عَلَىٰ امْرَأَةٍ من كِندَةَ فَقَالَ لَهَا: أُرِيدُ مَاءً، فَاسْتَغْرَبَتْ مِنْه ثُمَّ قَالَت لَه: مَنْ أَنْتَ؟

  فَقَالَ: أَنَا مُسلمُ بنُ عَقِيلٍ، وَأَخبَرَهَا الخَبَرَ، وَأَنَّ النَّاسَ خَذَلُوه، وأَنَّ الحُسَينَ سَيَأْتِي؛ لأَنَّه أَرْسَلَ إِلَيه أَن أَقْدِم، فَأَدْخَلَتْه عِندَها في بَيتٍ مُجَاورٍ، وَأَتَتْه بِالمَاءِ والطَّعَامِ، وَلَكِنَّ وَلَدَهَا قَامَ بِإِخْبَارِ عُبَيدِ  اللهِ بنِ زَيادٍ بِمَكانِ مُسلِمِ بنِ عَقِيلٍ، فَأَرْسَلَ إِليه سَبْعِينَ رَجُلاً، فَحَاصَرُوه فَقَاتَلَهُم، وفِي النِّهَايةِ اسْتَسْلَمَ لَهُم عِندَمَا أمَّنُوه، فَأُخِذَ إِلَىٰ قَصْرِ الإِمَارَةِ الَّذِي فيه عُبيدُ  اللهِ بنُ زِيَادٍ، فَلَمَّا دَخَلَ سَأَلَه عُبَيدُ  اللهِ عَن سَببِ خُرُوجِهِ هَذا؟.

  فَقَالَ: بَيعَةٌ في أَعْنَاقِنا لِلحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ. قال: أَوَليستْ في عُنقِكَ بيعةٌ ليزيدَ؟ ثم قَالَ لَه: إِنِّي قَاتِلُكَ. قَالَ: دَعْنِي أُوصِي. قَالَ: نَعَم أَوْصِ.

  فَالْتَفَتَ فَوجَدَ عُمَرَ بنَ سَعْدِ بن أَبي وَقَّاصٍ، فَقَالَ لَه: أَنْتَ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنِّي رَحِماً، تَعالَ أُوصِيكَ، فَأَخَذَه فِي جَانِبٍ مِنَ الدَّارِ، وَأَوْصَاه بِأنْ يُرسِلَ إِلَىٰ الحُسَينِ بِأَنْ يَرْجِعَ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ رَجُلاً إِلَىٰ الحُسَينِ لِيُخْبِرَه بِأَنَّ الأَمْرَ قَد انْقَضَىٰ، وأَنَّ أَهْلَ الكُوفَةِ قَدْ خَدَعُوه.

  وقَالَ له مُسلمٌ كَلِمتَهَ المَشْهُورَةَ: «ارْجِعْ بِأَهْلِكَ، وَلَا يَغُرَّنَّكَ أَهْلُ الكُوفَةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الكُوفَةِ قَدْ كَذَبُوكَ وكَذَبُونِي، وَلَيسَ لِكَاذِبٍ رَأْي». قُتِلَ عِندَ ذَلِكَ مُسلمُ بنُ عَقِيلٍ في يَومِ عَرَفَةَ، وَكَانَ الحُسَينُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ في يَومِ التَّرْوِيةِ قَبْلَ مَقْتلِ مُسلمِ بنِ عَقِيلٍ بِيَومٍ وَاحِدٍ.