مَوقِفُ الصَّحابةِ من تِلكَ المَعَارِكِ:

  اخْتَلَفَ الصَّحَابةُ علىٰ ثَلاثِ طَوَائِف:

  الطَّائفةُ الأُولَىٰ: طَلْحةُ والزُّبيرُ وعَائِشةُ ومُعَاويةُ، تَرَىَٰ هذه الطَّائفةُ أَنَّه يَجِبُ التَّعجيلُ بقَتْلِ قَتَلَةِ عُثمانَ.

  الطَّائفةُ الثَّانيةُ: عَلِيٌّ ومَنْ مَعَه، تَرَىٰ هذه الطَّائفةُ أَنَّ أَوَّلَ شَيءٍ يَجِبُ أَن يَكُونَ ويُحْسَمَ هو أَمْرُ الخِلَافةِ، وتَأْجِيلُ النَّظَرِ في موضوعِ قَتَلَةِ عُثمَانَ.

  الطَّائفةُ الثَّالثةُ: سعدٌ، وابنُ عُمَر، وأَبُو هريرةَ، ومُحمَّدُ بنُ مَسْلَمةَ، والأَحْنفُ، وأُسَامةُ، وأَبو بكرةَ الثَّقَفيُّ، وجلُّ الصَّحابةِ. تَرَىٰ هذه الطَّائِفةُ اعْتِزالَ القِتَالِ.

  وسَبَبُ هَذه الاخْتِلَافَاتِ: أَنَّ الأُمُورَ كَانَت مُشْتَبِهةً، والوَقْتُ كَانَ وَقْتَ فِتنةٍ، وَلِذلك لم يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَدَبَّرَ ذَلِكَ الأَمْرَ وَيَتَبيَّنَ حَقِيقَتَه بِوُضُوحٍ([1]).

  قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ  رحمه الله: «إنَّ الطَّبريَّ أَخَرَجَ بسَندٍ صَحيحٍ عن الأَحْنفِ بنِ قيسٍ  رضي الله عنه قَالَ: لَقِيْتُ طَلْحَةَ والزُّبيرَ بعدَ حَصْرِ عُثمانَ فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرَانِي فَإِنِّي أَرَاهُ مَقْتُولاً؟ قالا: عَلَيْكَ بِعَلِيٍّ. وَلَقِيْتُ عَائِشةَ بعدَ قَتْلِ عُثمَانَ في مَكَّةَ فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرِيني؟ قَالَت: عَلَيكَ بعَلِيٍّ([2])، وقد مَرَّ.

  ولَمّا خَرَجَ هَؤلَاءِ الصَّحابةُ إلىٰ مَعْرَكةِ الجَمَلِ لَقِيَهُم الأَحْنَفُ فَقَالَ لَهُم: واللهِ لَا أُقَاتِلُكُم ومَعَكُم أُمُّ المُؤْمِنينَ، ولَا أُقَاتِلُ رَجُلاً أَمَرْتُمُونِي بِبَيْعَتِه»([3]).

  وقَدَ مَرَّ بِنا قَولُ رَسُولِ  الله لِعَليِّ: «يا عليُّ إِنَّه سَيكُونُ بَينَك وبَينَ عَائشَة أَمْرٌ فَارْفُقْ بِهَا». قَالَ عليٌّ: فَأَنَا أَشَقَاهُم يَا رَسُولَ  اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ  اللهِ: «لَا وَلَكِنْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَارْدُدْهَا إِلَىٰ مَأْمَنِهَا»([4]).

 

([1])    ولنا في غزو الكويت في التَّاريخ الْحديث شاهدٌ قريب علىٰ اختلافِ الآراء واضطراب الأمرِ في فتنة أودتْ بالكثيرِ مِنَ الْحكماءِ بله النَّاس العاديين.

([2])   والذي يظهرُ من هذه الروايةِ أنّ طَلْحَةَ والزُّبَـيْـرَ وعَائِشَةَ ما كانوا ينقمون علىٰ عليٍّ الْخلافةَ أبداً، إذ هم بايعوه علىٰ الْخلافةِ وأمروا الأحنفَ بمُبايعتهِ، وكلُّ ما في الأمرِ أنّهم اجتهدوا في مَعرفةِ ما يجبُ أنْ يقوموا به أولاً.

([3])   «فتح الباري» (١٣/٣٨)، وانظر: «تَاريخ الطَّبَرِيِّ».

([4])   أخرجه أحمد (٦/٣٩٣)، وقال الحافظ في «فتح الباري» (١٣/٦٠): «سنده حسن».