موقفنا نحن من القتال
20-03-2023
موقفنا نحن من القتال الذي وقع:
قال النّووي رحمه الله: «وأمّا الحُروب الَّتي جَرَت؛ فكانت لكُلِّ طائِفة شُبهَة اعتقدتْ تَصويب أَنفُسها بسببها، وكُلّهم عُدول رضي الله عنهم، ومُتأوِّلونَ في حُروبهم وغيرها، ولم يُخرِج شَيءٌ مِن ذلك أَحَداً مِنهُم عن العَدالَة؛ لأنهم مجتَهِدونَ اختلفوا في مَسائِل من مَحَلّ الاجتِهاد كَما يَختَلِف المُجتَهِدونَ بَعدهم في مَسائِل مِن الدِّماء وغَيرها، ولا يَلزَم مِن ذلك نَقص أَحَد مِنهُم.
واعلَم أَنَّ سَبَب تِلكَ الحُروب أَنَّ القَضايا كانَت مُشتَبِهَة، فَلشدّةِ اشتباهها اختَلَفَ اجتِهادهم، وصاروا ثَلاثَة أَقسام:
قسم ظَهَرَ بِالِاجتِهادِ أَنَّ الحَقّ في هَذا الطَّرَف، وأنَّ مُخالِفه باغٍ، فَوجَبَ عَلَيهِم نُصرَته، فَفَعَلوا ذَلِكَ.
وقِسم عَكس هؤلاء، ظَهَرَ لَهُم بِالِاجتِهادِ أَنَّ الحَقّ في الطَّرَف الآخَر، فَوجَبَ عَلَيهِم مُساعَدَته، وقِتال الباغي عَلَيهِ.
وقِسم ثالِث اشتَبَهَت عَلَيهِم القَضية، وتَحَيَّروا فيها، ولَم يَظهَر لَهُم تَرجيح أَحَد الطَّرَفَينِ، فاعتَزَلوا الفَريقَينِ، وكان هذا الاعتِزال هو الواجِب في حَقِّهِم، لأنه لا يَحِلُّ الإِقدام عَلَىٰ قِتال مُسلِم حَتَّىٰ يظهرَ أنه مُستَحقٌّ لِذلكَ، ولَو ظَهرَ لهؤلاءِ رُجحان أَحَد الطَّرفينِ، وأنَّ الحَقّ مَعَهُ، لَما جازَ لَهُم التأخُّر عن نُصرَته في قتال البُغاة عليه»([1]).