محاولاتُ وَقْفِ القتالِ:

  حَاولَ الكِبارُ مِن الجَيشَينِ وَقْفَ القِتَالِ، ولكِن لم يُفْلِحوا، فَكَانَ طلحةُ يقولُ: يَا أَيُّها النَّاسُ أَتَنْصِتُونَ؟ فَأَصْبَحُوا لا يُنصتُونَه فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ فَرَاشُ نارٍ، وذُبَّانُ طَمَعٍ([1]). وعليُّ يَمْنعُهم ولا يَرُدُّونَ عليه، ومُنادي عليٍّ يُنادي: ألا كُفّوا، ألا كُفّوا، فلا يَسمَعُ أحَدٌ([2]). وأَرْسَلَت عَائِشةُ كعبَ بنَ سَوْر بالمُصْحَفِ لِوَقفِ المَعْركةِ، فَرَشَقَه السَّبئِيُّونَ بالنِّبَالِ حتىٰ أَرْدَوه قَتِيلاً.

  وذلك أَنَّ الحَربَ ــــ والعياذُ باللهِ ــــ إِذَا اشْتَعَلَتْ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَن يُوقِفَهَا، وقد ذَكَرَ البخاريُّ أبياتاً من الشِّعرِ لاِمرئ القيسِ:

الحَربُ أوّلُ ما تكونُ فَتِيةً

تَسْعَىٰ بزينتِها لكلِّ جَهُولِ

حَتَّىٰ إِذا اشْتَعَلَتْ وشَبَّ ضِرَامُها

وَلَّت عَجُوزاً غيرَ ذاتِ حليلِ

شمطاء يُنْكرُ لَونُها وتَغَيَّرَت

مكروهةً للشمِّ والتَّقبيلِ([3])

 

  قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ  رحمه الله: «والفتنةُ إذا وقعتْ عَجَزَ العُقلاءُ فيها عَن دَفْعِ السُّفَهاءِ، فَصَارَ الأكابرُ  رضي الله عنهم عَاجِزينَ عَن إِطْفَاءِ الفتنةِ، وَكَفِّ أَهْلِها، وَهَذا شَأْنُ الفِتنِ كما قال تعالىٰ: ﴿وَٱتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُوا أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ٢٥﴾ [الأنفال: ٢٥]([4]).

  وَقعةُ الجَمَلِ كَانت في سنةِ ستٍّ وثَلَاثينَ من الهِجْرةِ؛ أي: في بِدَايةِ خِلَافةِ عليٍّ  رضي الله عنه، بَدَأَتْ بعدَ الظُّهْرِ وانْتَهَتْ قُبيلَ مَغِيبِ الشَّمسِ مِن اليومِ نفسِه.

  كَانَ مع عليٍّ عشرةُ آلافٍ، وأَهلُ الجَمَلِ كَانَ عَدَدُهم مَا بين الخَمسةِ والسِّتَّةِ آلافٍ، وَرَايةُ عليٍّ كَانَت مع مُحمَّدِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طَالبٍ، ورَايةُ أهلِ الجَمَلِ مع عبدِ  اللهِ بنِ الزُّبيرِ. قُتِلَ في هذا اليومِ كثيرٌ مِنَ المُسلمينَ، وهي فِتنةٌ سَلَّمَ  اللهُ تَبَاركَ وتَعَالَىٰ منها سُيُوفَنا، ونَسْأَلُ  اللهَ لهم الرِّضوانَ والمَغْفِرةَ.

 

([1])    «تاريخ خليفة بن خياط» (١٨٢).

([2])   «البداية والنهاية» (٧/٢٦٢).

([3])   أخرجه البُخَارِيّ (٧٠٩٦).

([4])   «مختصر منهاج السُّنَّة» (٢٨١).