أَهمُّ الأحداثِ في خلافةِ عليٍّ
20-03-2023
المبحث الثاني
أَهمُّ الأحداثِ في خلافةِ عليٍّ رضي الله عنه
أولاً: الفُتوحاتُ في عَهْدِ عَلِيِّ رضي الله عنه:
في ظِلِّ الفِتَن الداخليةِ التي بَدَأَت بالتَّمَرُدِ علىٰ أميِر المؤمنين عثمان رضي الله عنه، ثم وقعة الجملِ وصفينَ والنهروان؛ كان من الطبيعي أن تَنْصَرِف الدولةُ الإسلاميةُ عن ميدانِ الفتحِ والجهادِ، ولذلك نَرىٰ المصادِرَ التاريخية لا تسجلُ إلا تَحركاتٍ وأنشطةً محدودةً قامَ بها المسلمون في هذا الميدانِ إِبَّان عهد عليٍّ رضي الله عنه الذي لم يبلغِ الخَمْسَ سنواتٍ.
ومن ذلك: التَّصَدِّي بقدرِ الاستطاعةِ للاضْطِراباتِ التي وَقَعَتْ في بعضِ البلاد الفارسيةِ المفتوحةِ، من ذلك ما حَدَثَ في إقليمِ فارس (جنوبَ غربيِّ إيِران)، حيثُ تَمَرَّدَ أهلهُ سنة (٣٧هــ) علىٰ عامِلهم سهلِ بنِ حنيفٍ رضي الله عنه وأخرجوه، فَوَجَّهَ عليٌّ رضي الله عنه إليهم زيادَ بن أبيه فصالحوه، وأَدَّوا إليه الجِزْيَة([1]).
ومن ذلك: ما حَصَلَ في إقليمِ خُراسان (شمالَ شَرقي إيران)، فقد قَدِم مرزبان مَرْو المُسَمَّىٰ «ماهويه» علىٰ عليٍّ رضي الله عنه في الكوفةِ، فَكَتَبَ معه إلىٰ دَهاقين ورؤساءِ المُدُنِ والقُرىٰ في خُراسان أن يُؤَدُّوا إليهِ الجزيةَ، ولكنهم ما لَبِثُوا أن انْتَقَضُوا علىٰ المسلمين، فَبَعَثَ عليٌّ رضي الله عنه جعْدَةَ بنَ هبيرةَ المخزومي بدل عامله هناك عبد الرحمٰنِ بنِ أَبْزَىٰ، فامتنعوا علىٰ ابنِ هَبيرة، فَبَعَثَ عليٌّ رضي الله عنه خُلَيْدَ بنَ قُرَةَّ اليَربوعيَّ فحاصَر نيسابور حتىٰ صالَحَه أهلُها، كما صالَحه أهلُ مرو، ومع ذلك فقد بَقِيَتِ الثورةُ مُشتعلةً في هذا الإقليم إلىٰ أن قتل عليٌّ رضي الله عنه([2]).
أما الفتوحات فكانت بشكلٍ محدودٍ في البلاد المجاورةِ، وقد تَرَكَّزّ ذلك في منْطِقَتين:
الأولىٰ: الدَّيْلَم (شمال إيران)، فقد بَعَثَ عليُّ رضي الله عنه الرَّبيعَ بنَ خُثَيم الثوري لغزو هذه المنطقة، ومعه أربعةُ آلافٍ من المجاهدين([3]).
الثانية: بلادُ السِّنْد (جنوب شرقي إيران حالياً)، ففي آخر سنة (٣٨هــ) استأذنَ الحارثُ بنُ مُرَّةَ العبديُّ علياً رضي الله عنه في التوجه متطوعاً للجهاد في سبيلِ اللهِ في هذا الثَّغْرِ، فَأذِنَ له في ذلك([4])، فَجَمَعَ جمعاً من المجاهدين الذين أتوه من كُلِّ جهةٍ، فَسَار بهم نحو مَكْران، وحقق انتصاراتٍ واسعةً، وغَنِمَ مغانمَ كثيرةً، ولكنَّ العدوَّ في النهايةِ كَمَنَ له عند أَحَدِ المضائِقِ، فاستُشْهِد هو ومن معه من المجاهدين، ولم ينجُ منهم إلا القليل([5]).
([1]) «تاريخ خليفة بن خياط» (ص١٩٢)، «عهد الخلفاء الراشدين» للذهبي (ص٥٥٤).
([2]) «تاريخ الأمم والملوك» للطبري (٤/٥٥٧).
([3]) «فتوح البلدان» للبلاذري (ق٢/٣٩٦).
([4]) «فتوح البلدان» للبلاذري (ق٢/٥٣١).
([5]) «تاريخ خليفة بن خياط» (ص١٩١، ٢٠٠)، «عهد الخلفاء الراشدين» للذهبي (ص٥٨٣).