بَيعةُ عليٍّ بالخلافةِ
20-03-2023
بَيعةُ عليٍّ رضي الله عنه بالخلافةِ:
عن مُحمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ ــــ وهو مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ ــــ قَالَ: أَتَىٰ عَلِيٌّ دَارَ عُثمانَ وقَد قُتِلَ، فَدَخَلَ إلىٰ دَارِه وأَغْلَقَ بَابَه عَليه، فَأَتَاه النَّاسُ فَضَرَبُوا عليه البَابَ وقَالُوا: إنَّ هذا الرَّجُلَ ــــ أي: عثمان ــــ قد قُتِلَ، ولا بدَّ للنَّاس من خَلِيفةٍ، ولا نَعْلَمُ أحداً أحقَّ بها مِنْكَ.
فَقَالَ لَهُم عَلِيٌّ: لا تُرِيدُوني؛ فَإِنِّي لكم وَزيرٌ، خَيرٌ لكم مني أَميرٌ.
فَقَالُوا: لَا واللهِ لا نَعْلَمُ أحداً أحقَّ بها منك، قَالَ: فإِنْ أَبَيتُم عَليَّ فإِنَّ بَيَعتِي لا تَكُونُ سِرّاً، ولكن أَخْرُجُ إلىٰ المَسْجدِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُبَايعَنِي بَايَعَنِي. فَخَرَجَ إلىٰ المَسْجِدِ فَبَايَعَه النَّاسُ([1]).
وبَايَعَه المُهَاجِرُونَ والأَنْصَارُ الذين كَانُوا في المَدِينةِ، وقيل: إنَّه تَخَلفَ عن بَيعَتِه بعضُ الصَّحابةِ؛ كسعدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، ومُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ وغَيرِهم، وقيل: إنَّه بُويِعَ من الجَميعِ، وهذا هو المَشْهُورُ، إِنَّمَا تَخَلَّفَ سَعدٌ، وابنُ عُمَرَ، ومُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ عَنِ القِتَالِ مَعَه، أمَّا البيعةُ فَقَد بَايَعُوه.
قال عوفُ بنُ أبي جميلةَ: كُنْتُ عندَ الحَسَنِ البَصْرِيّ، وكَانَ في المَدِينةِ عِندَ مَقْتلِ عُثمانَ، فَذَكَرُوا أَصْحَابَ النَّبيِّ فَقَالَ ابنُ جَوشَن الغَطَفَانيُّ: يا أبا سعيدٍ إِنَّما زُرِّي بأبي مُوسَىٰ اتباعُه عَلِيّاً([2]) فَغَضِبَ الحَسَنُ حتىٰ تَبَيَّنَ في وَجْهِه فَقَالَ: فَمَنْ يُتّبَعُ؟! قُتِلَ أميرُ المُؤْمنينَ مَظْلُوماً فَعَمدَ النَّاسُ إلىٰ خَيرِهم فَبَايَعُوه فَمَنْ يُتَّبَعُ؟! حتىٰ رَدَّدَها مِرَاراً([3]).
وأَهلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَىٰ أَنَّ أَفضلَ الصَّحابةِ بعدَ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه هو عَلِيُّ بنُ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه.
قَالَ شيخ الإسلام ابنُ تيميَّةَ رحمه الله: «المنصوصُ عندَ أحمدَ بنِ حَنْبلٍ تَبْدِيعُ مَنْ تَوَقَّفَ في خَلَافةِ عَلِيٍّ، وقَالَ: هو أَضَلُّ من حِمارِ أَهْلِه، وأَمَرَ بهُجْرانِه»([4]).
فَأَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ علىٰ أَنْ أَفضلَ الصَّحَابةِ بعدَ رَسُولِ اللهِ أبو بكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثمَّ اخْتَلَفُوا كما ذَكَرْنا في عُثمانَ وعَلِيٍّ، والجُمهورُ عَلَىٰ أَنَّ عُثمانَ أَفْضَلُ من عَلِيٍّ، ثُمَّ اتفَقُوا بعدَ ذلك علىٰ أَنَّ عَلِيَّ بنَ أَبي طَالِبٍ رَابعُ الخُلَفاءِ.
([1]) أخرجه أحـمد في «فضائل الصَّحَابَة» (٦٩٦)، وإسناده صحيح.
([2]) يريد أنّ الذي أخذه النَّاسُ طعناً في أبي مُوسَىٰ أنه اتبعَ عَلِيّاً، والمفروض أنْ لا يتبعه.