عَلِيُّ  بْنُ أبي طالبٍ والقضاءُ:

  اشْتُهِر علي  رضي الله عنه بالقَضاءِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلكَ:

  عن علىٰ  رضي الله عنه قالَ: بَعَثَني رَسولُ  اللهِ  ﷺ إلىٰ اليَمَنِ، فقلت: يا  رَسولَ  اللهِ! إِنَّكَ تَبْعَثُني إلىٰ قَوْمٍ هُمْ أَسَنُّ مِنِّي لِأَقْضِيَ بَيْنَهمْ، قالَ: «اذْهَبْ، فإنَّ  الله تَعالىٰ سَيُثَبِّتُ لِسانَكَ وَيَهْدي قَلْبَكَ»([1]).

  وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ دَفَعَا إلىٰ امْرَأَةٍ مِئَةَ دِينَارٍ وَدِيعَةً، وَقالَا: لا تَدْفَعِيهَا إلَىٰ وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ.

  فَلَبِثَا حَوْلاً، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا، فَقالَ: إنَّ صَاحِبِي قَدْ مَاتَ، فَادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ فَأَبَتْ، وَقالَتْ: إنَّكُمَا قُلْتُمَا لِي لا تَدْفَعِيهَا إلَىٰ وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ، فَلَسْتُ بِدَافِعَتِهَا إلَيْك، فَثَقُلَ عَلَيْهَا بِأَهْلِهَا وَجِيرَانِهَا حَتَّىٰ دَفَعَتْهَا إلَيْهِ.

  ثُمَّ لَبِثَتْ حَوْلاً آخَرَ؛ فَجَاءَ الآخَرُ، فَقال: ادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ.

  فَقالَتْ: إنَّ صَاحِبَك جَاءَنِي فَزَعَمَ أَنَّك قَدْ مِتّ، فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا إلَىٰ عُمَرَ  رضي الله عنه فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهَا.

  فَقالَتْ: ادْفَعْنَا إلَىٰ عَلِيِّ  بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

  فَعَرَفَ عَلِيٌّ أَنَّهُمَا قَدْ مَكَرَا بِهَا، فَقالَ: أَلَيْسَ قَدْ قُلْتُمَا: لا تَدْفَعِيهَا إلَىٰ وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ؟ قال: بَلَىٰ، قالَ: فَإِنَّ مَالَك عِنْدَهَا، فَاذْهَبْ فَجِئْ بِصَاحِبِك حَتَّىٰ تَدْفَعَهُ إلَيْكُمَا([2]).

 

([1])    أخرجه أحمد (١/٨٨)، وإسناده صحيح.

([2])   «الطرق الحكمية في السياسة الشرعية» لابن القيم (ص٤٥).