مَنْ قَتَلَ عُثمانَ؟

  بعد أَن حُوصِرَ عُثمانُ، تَسَوَّرُوا عليه البيتَ فَقَتَلُوه  رضي الله عنه وهو وَاضِعٌ المصحفَ بين يَدِيه. قِيلَ لِلْحَسنِ البَصْريِّ([1]): أَكَانَ فِيمَن قَتَلَ عُثمانَ أَحَدٌ مِنَ المُهَاجِرينَ أوِ الأَنْصارِ؟ فَقَالَ: كَانُوا أَعْلَاجاً من أهلِ مِصْرَ([2]). ولكِنَّ الرُّؤُوسَ مَعْرُوفةٌ وهم: كِنانةُ بنُ بِشْرٍ، ورُومانُ اليَمَانيُّ، وشَخْصٌ يُقَالُ له جَبَلَةُ، وسودَانُ بنُ حَمْرانَ، ورَجُلٌ يُلَقَّبُ بالمَوتِ الأَسْودِ من بني سَدُوس. وقيل: مالكُ بنُ الأَشْترِ النَّخَعِيُّ، وجبلة التجيبي.

  هَؤلَاءِ كَانُوا من رُؤُوسِ الفِتْنةِ التي قَامَتْ علىٰ عُثمانَ  رضي الله عنه.

  أَمَّا مَنْ بَاشر قتلَهُ: فالمشهورُ أنَّه رجلٌ مِصْريٌّ يُقالُ له جَبَلَةُ.

  عن عَمْرةَ بنتِ أَرْطأةَ قالت: خَرَجْتُ مع عَائِشةَ سنةَ قُتِلَ عُثمانُ إلىٰ مَكَّةَ، فَمَرَرْنَا بالمَدِينةِ فَرَأَيْنَا المُصْحَفَ الذي قُتِلَ وهو في حِجْرِه فَكَانَت أَوَّلَ قَطْرَةٍ قَطَرَتْ من دَمِهِ علىٰ أَوَّلِ هذه الآيةِ: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ١٣٧﴾ [البقرة: ١٣٧].

  قَالَتْ عَمْرَةُ: فَمَا مَاتَ منهم رَجلٌ سَوِيّاً([3]).

  وعن مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ رحمه الله قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ بالكَعْبةِ فإذَا برَجُلٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي، وَمَا أَظُنُّ أَنْ تَغْفِرَ لي.

  يَقُولُ: فَتَعَجَّبْتُ منه، فَقُلْت: يا عبدَ  اللهِ ما سَمِعْتُ أَحَداً يَقُولُ مِثلَ مَا تَقُولُ.

  فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنّي كُنْتُ قد أَعْطَيْتُ  اللهَ عَهْداً لئِن مَكَّنَنِي من عُثمانَ لأصْفَعَنَّه، فَلَمَّا قُتِلَ وُضِعَ في سَرِيرِه في البيتِ فَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ ويُصَلُّونَ عليه وهو في بَيتِه، فَدَخَلْتُ أُظْهِرُ أنِّي أُرِيدُ الصَّلاةَ فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنَّ البيتَ لَيسَ فيه أَحَدٌ كَشَفْتُ عن وَجْهِه فَصَفَعْتُه وهو مَيتٌ فَيَبِسَتْ يَدِي. قَالَ ابنُ سِيرينَ: رَأيْتُهَا يَابِسةً كَأَنَّها عُودٌ([4]).

 

([1])    وقَد عَاشَ تلك الفَتْرةَ؛ لأَنَّه من كِبَارِ التَّابعينَ.

([2])   «تاريخ خليفة» (ص١٧٦) بإِسْنَادٍ صحيح.

([3])   أخرجه أحـمد في «فضائل الصَّحَابَة» (٨١٧) وإسنادُه صحيحٌ، وانظر كذلك (٧٦٥، ٧٦٦).

([4])   «البداية والنهاية» (٧/٢٠٠) ورجاله ثقاتٌ غير (عيسىٰ بن المنهال) ذكره ابن حبان في «الثقات»، وذكره كلٌّ مِنَ البُخَارِيِّ في «التَّاريخ الكبير» (٦/٣٩٩)، وابنِ أبي حاتمٍ في «الْجرح والتعديل» (٦/٢٨٨)، وسكتا عنه.