المأخذُ الثَّالثُ عشرَ: رَدَّ الحَكَمَ وقد نَفَاهُ الرَّسُولُ:

  وهذه الفِريةُ يُرَدُّ عليها من ثلاثةِ أَوجُهٍ:

  أَوَّلاً: أَنّها لم تَثْبُتْ، وَلَا تُعْرَفُ بسندٍ صَحِيحٍ.

  ثانياً: الحَكَمُ كَانَ من مُسْلِمةِ الفَتْحِ، وكَانَ من الطُّلَقاءِ، والطُّلقَاءُ مَسْكَنُهم مَكَّةُ ولم يَعيشُوا في المَدِينةِ، فكيفَ يَنْفِيه النَّبيُّ من المَدِينةِ، وهو ليس من أَهْلِها أصْلاً.

  ثَالِثاً: النَّفيُ المَعْلُومُ في شَرِيعتِنا أَقْصَاه سَنةٌ للزاني غير المحصن ولم يُعْلَمْ في شَرْعِ  اللهِ تَبَاركَ وتَعَالَىٰ أَنَّ هناك نَفْياً مَدَىٰ الحياةِ، وأَيُّ ذَنْبٍ هذا الذي يَسْتَحِقُّ به الإنسانُ أن يُنفَىٰ مَدَىٰ الحَياةِ؟ فالنَّفيُ عقوبةٌ تَعْزيريةٌ من الحَاكِمِ، فلو فَرَضْنَا أَنَّ النَّبيَّ فَعْلاً نَفَاه واسْتَمَرَّ مَنْفِيّاً في حَياةِ النَّبيِّ ثُمَّ في خِلَافَةِ أبي بكرٍ وعُمَرَ ثمَّ أَعَادَه عُثمانُ ولكن بعدَ أكثرِ من خَمسَ عشرةَ سنةً. أينَ البأسُ هنا؟

  هذا إن صَحَّتْ وهي لم تَصِحَّ، ثمَّ إنَّ النَّبيَّ قَبِلَ شَفَاعةَ عُثمانَ في عبدِ  اللهِ بنِ سعدِ بنِ أبي السَّرحِ، وكان قد ارْتَدَّ ولا شكَّ أن الحَكَمَ لم يأتِ بجُرمٍ أعظم من هذا، فكيف يُسامِحُ النَّبيُّ ذاك ولا يُسامِحُ هذا؟!.

  هذه هي المآخذُ علىٰ عُثمانَ!!

  ويمكن تقسيمها حسب الجدول الآتي:

 

أمـورٌ مكذوبةٌ عليه

٢، ٣، ٥، ١٣

هي من مَحاسنهِ

٤، ٨، ١٠

هي من اجتهادِه

١، ٦، ٧، ١١، ١٢

أخطاءٌ مغمورةٌ بل مغفورة

٩  قال الواقِديُ: «فيها [سنة ٢٦هــــ] أمرَ عثمانُ بتَجديدِ أنصابِ الحرمِ، وقال: فيها زادَ عثمانُ في المسجدِ الحرامِ ووَسَّعَه وابتاعَ منْ قومٍ وأبىٰ آخرون، فهدمَ عليهم ووضعَ الأثمانَ في بيت المالِ، فَصاحوا بعُثمانَ فأمَرَ بهمْ بالحَبْسِ، وقال: أتَدرونَ ما جرّأكم عليَّ؟ ما جرّأكُم عليَّ إلا حِلْمي، قَدْ فعلَ هذا بكمْ عُمرُ فلمْ تَصيحوا بهِ. ثم كلَّمَهُ فيهم عبدالله بنُ خالدِ بنِ أسيد، فأُخْرجوا([1]).

  عن ابن عمر قال: لقد عابوا علىٰ عُثمانَ أشياءَ لو فَعَلها عُمَرُ ما عابوها عَليه([2]).

 

([1])    «تاريخ الأمم والملوك» (٢/٥٩٥)، «تاريخ الإسلام» للذهبي (٣/٣١٥).

([2])   «تاريخ المدينة» (٣/١١١٦).