المأخذُ الحادي عشرَ: لم يَقْتُلْ عُبيدَ  اللهِ بنَ عُمَرَ بالهرمزانِ:

  والمشهورُ في كُتُبِ التَّاريخِ أنَّه بعدَمَا قَتَلَ أبو لؤلؤةَ المَجُوسيُّ عُمَرَ ابنَ الخطَّابِ قَتَلَ نَفْسَه لَمَّا أَلْقَوا العَبَاءَةَ عليه([1])، فلما أَصْبحَ النَّاسُ قَامَ عبيدُ  اللهِ بنُ عُمَرَ فَقَتَلَ رَجُلاً يُقالُ له الهُرمُزانُ، وكان مَجُوسيّاً فَأَسْلَمَ، فَلَمَّا قِيلَ له قَالَ: كان مَعَ أبي لُؤلُؤةَ المجوسيِّ قَبْلَ مَقْتلِ عُمَرَ بثلاثةِ أيامٍ وبينهما الخِنجرُ الذي قُتِلَ به عُمَرُ، فَظَنَّ أنّ الهُرمزانَ مُشَارِكٌ لأبي لُؤلُؤةَ في هذه الجَرِيمةِ، فَذَهَبَ إليه وقَتَلَه.

  عن سعيدِ بنِ المسيّبِ قال: «إنَّ عبدَ الرحمـٰـنِ بنَ أبي بكرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ حين قُتِلَ عُمَرُ: قد مَرَرْتُ علىٰ أبي لُؤلُؤةَ قَاتِلِ عُمَرَ ومعه جُفَينةُ وَالهُرْمُزانُ وهم نجيٌّ([2])، فَلَمَّا بَغَتُّهُم ثَارُوا([3])، فَسَقَطَ من بينهم خِنْجرٌ له رَأسَانِ ونِصَابُه وَسَطه، فَانْظُرُوا مَا الخِنجَرُ الذي قُتِلَ به عُمَرُ، فَوَجَدُوه الخِنجرَ الذي نَعَتَ عبدُ الرَّحمـٰـنِ بنُ أبي بكرٍ، فَانْطَلَقَ عبيدُ  اللهِ بنُ عُمَرَ، فَلَمَّا خَرَجَ إليه ــــ أي: الهرمزان ــــ قال: انْطَلِقْ معي حتىٰ نَنْظرَ إلىٰ فَرَسٍ لي، وتَأَخَّرَ عنه حتىٰ إِذا مَضَىٰ بين يديه عَلَاه بالسَّيفِ، قال عبيدُ  اللهِ: فلما وَجَدَ حَرَّ السَّيفِ قَالَ: لا إِلـٰـهَ إلا  اللهُ، قال عبيدُ  اللهِ: ودعوْتُ جُفينةَ وكان نَصْرانيّاً من نَصَارَىٰ الحِيرةِ، فَلَمَّا عَلَوْتُه بالسَّيفِ صَلَّبَ بين عَينيه، ثُمَّ انْطَلقَ عبيدُ  اللهِ فَقَتَلَ ابنةً لأبي لُؤلُؤةَ صَغِيرةً تَدَّعي الإِسلامَ وأَرَادَ عبيدُ  اللهِ أَلَا يَدَعَ سَبياً بالمدينةِ إلا قَتَلَه، فاجْتمعَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ عليه فَنَهَوه وتَوَعَّدُوه، فَقَالَ: واللهِ لأَقْتُلَنَّهُم وَغَيرَهُم وعَرَّضَ ببعضِ المُهَاجِرينَ، فَلَم يَزَلْ عَمرُو بنُ العاصِ به حتىٰ دَفَعَ إليه السَّيفَ، فَلَمَّا دَفَعَ إليه السَّيفَ أَتَاه سَعْدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ فَأَخَذَ كُلُّ واحدٍ منهما برأسِ صاحِبه يَتَنَاصَيَان حتىٰ حجزَ بينهما، ثمَّ أَقْبلَ عُثمانُ قَبْلَ أن يُبايعَ له في تلك الليالي حتىٰ وَاقَعَ عبيدَ  الله فَتَنَاصَيَا، وأَظْلَمَتِ الأرضُ يومَ قَتَلَ عبيدُ  اللهِ جُفينةَ والهُرْمزانَ وابنةَ أبي لُؤلُؤةَ علىٰ النَّاسِ ثمَّ حجزَ بينه وبين عُثمانَ، فَلَمَّا اسْتخلف عُثمانُ دَعَا المُهَاجِرينَ والأنصارَ، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَليَّ في قَتْلِ هذا الرَّجُلِ الذي فَتَقَ في الدّينِ، فَاجْتَمَعَ المُهَاجِرُونَ علىٰ كَلِمةٍ وَاحِدةٍ يُشَايعونَ عُثمانَ علىٰ قَتْلِه، وجُلُّ النَّاسِ الأَعْظمُ مع عبيدِ  الله يَقُولُون لجُفينةَ والهُرْمُزانَ أبعدَهما  اللهُ، لعلَّكُم تُرِيدُون أن تُتْبِعُوا عُمَرَ ابنَه؟ فَكَثُرَ في ذلك اللَّغَطُ والاخْتِلَافُ ثُمَّ قَالَ عمروُ بنُ العاصِ لعُثمانَ: يا أميرَ المُؤْمنينَ: إِنَّ هذا الأمرَ قَد كَانَ قَبْلَ أن يكونَ لك علىٰ النَّاسِ سُلْطانٌ فَأَعْرِضْ عنهم. وتَفَرَّقَ النَّاسُ عن خُطبةِ عَمْروٍ وانتهىٰ إليه عُثمانُ وَوُدي الرَّجُلانِ والجَارِيةُ([4]).

  وهنا ثلاثةُ توجيهاتٍ لعدمِ قَتْلِ عُبيدِ  اللهِ بالهُرْمُزَانِ:

  الأَوَّل: أنَّ الهُرْمُزانَ تَمَالأَ مع أبي لُؤلُؤةَ علىٰ قَتْلِ عُمَرَ كَمَا رآهما عبدُ الرَّحمـٰـنِ بنُ أبي بكرٍ، وبهذا يكونُ مُسْتَحِقّاً للقَتْلِ كما قَالَ عُمَرُ: «لو تَمَالأ أَهْلُ صَنعاءَ علىٰ قَتْلِ رَجُلٍ لَقَتَلْتُهُم به»([5])، فهنا يكونُ دَمُ الهُرْمُزانِ مُباحاً؛ لأنَّه شَارَكَ في قَتْلِ عُمَرَ.

  الثاني: أنَّ النَّبيَّ لم يَقْتُلْ أُسَامةَ بنَ زَيدٍ لَمَّا تَأَوَّلَ في عَهْدِه، وذلك أنَّه في إحْدىٰ المَعَاركِ رَأَىٰ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكينَ قَد قَتَلَ من المُسْلِمينَ الكثيرَ، فَذَهَبَ إليه فَلَمَّا رَآه المُشْرِكُ فَرَّ منه ثمَّ اخْتَبَأَ خَلْفَ شَجَرةٍ، وقَالَ: أشْهدُ أَن لا إِلـٰـهَ إِلَّا  اللهُ فَقَتَلَه أُسَامةُ فَلَمَّا بَلَغَ النَّبيَّ هذا الأَمْرُ اسْتَدْعَىٰ أُسَامةَ فَقَالَ: «أَقَتَلْتَه بعدَ أَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلَّا  اللهُ؟». قال: إِنّما قَالَها تَعَوُّذاً([6])، فقال النَّبيُّ: «هَلا شَقَقْتَ عن قَلْبِه» يَقولُ: فَمَا زَالَ يُرَدّدُها عَلَيَّ «قَتَلْتَه بعدَ أن قَالَ: لا إِلهَ إلا  اللهُ؟!» حتىٰ تَمَنَّيْتُ أني لم أُسْلِمْ إلَّا الآنَ([7]).

  فالنَّبيُّ لم يُقِمِ القِصَاصَ علىٰ أُسامةَ؛ لأنَّه كانَ مُتَأَوِّلاً، فكذلك الحالُ بالنَّسبةِ لعُثمانَ لم يُقِمِ القِصَاصَ علىٰ عُبيدِ  اللهِ بنِ عُمَرَ؛ لأنَّه كَانَ مُتَأَوِّلاً.

  الثَّالثُ: قيلَ: إن الهُرمزانَ لم يَكُن له وَلِيٌّ، والمَقْتُولُ الذي لا وَلِيَّ له وَلِيُّه السُّلطانُ فَتَنَازَلَ عَنِ القَتْلِ. وقيل: إنَّ له ولداً يقال له: القامذبانُ، وأَنَّه تَنازَلَ عن دَمِ عُبيدِ  اللهِ بنِ عُمَرَ([8]).

 

([1])    أخرجه البخاري (٣٧٠٠).

([2])   أي: يتناجوْنَ.

([3])   أي: قَامُوا.

([4])   «الطبقات» لابن سعد (٣/٣٥٥) بِسَنَدٍ صَحيحٍ.

([5])   أخرجه البخاري (٦٨٩٦).

([6])   يعني: خائفاً من السَّيفِ.

([7])   أخرجه البُخَارِيّ (٤٢٦٩)، ومُسْلم (١٥٨)، (٩٦).

([8])   قصة تنازل القامذبان عن قتلِ عبيد  الله في «تَاريخِ الطَّبَرِيِّ» (٣/٣٠٥)، ولكنها من طريقِ سَيفِ بنِ عُمَرَ اَلْكَذَّابِ.