رسالة عمر لأبي موسىٰ الأشعري في القضاء
19-03-2023
رسالة عمر لأبي موسىٰ الأشعري في القضاء:
كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ إِلَىٰ أَبِي مُوسَىٰ الأَشْعَرِيِّ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ القَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَادَ لَهُ وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَعَدْلِكَ حَتَّىٰ لَا يَيَأسِ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِكَ، وَلَا يَطْمَعَ الشَّرِيفُ فِي حَيْفِكَ، البَيِّنَةُ عَلَىٰ مَنِ ادَّعَىٰ وَاليَمِينُ عَلَىٰ مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ النَّاس إِلَّا صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلَالاً، لَا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ الحَقَّ فَإِنَّ الحَقَّ قَدِيمٌ وَمُرَاجَعَةُ الحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي البَاطِلِ، الفَهْمَ الفَهْمَ فِيمَا تَخَلَّجَ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْكَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اعْرِفِ الأَمْثَالَ وَالأَشْبَاهَ، ثُمَّ قِسِ الأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ فَاعْمَدْ إِلَىٰ أَحَبِّهَا إِلَىٰ اللهِ وَأَشْبَهِهَا بِالحَقِّ فِيمَا تَرَىٰ، اجْعَلْ لِلْمُدَّعِي أَمَداً يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَتَه أَخَذَ بِحَقِّهِ وَإِلَّا وَجَّهْتَ القَضَاءَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْلَىٰ لِلْعَمَىٰ وَأَبْلَغُ فِي العُذْرِ، المُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا مَجْلُودٍ فِي حَدٍّ، أَوْ مُجَرَّبا فِي شَهَادَةِ زُورٍ، أَوْ ظَنِيناً فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ، إِنَّ اللهَ تَوَلَّىٰ مِنْكُمُ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالبَيِّنَاتِ وَإِيَّاكَ وَالقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّي بِالنَّاسِ، وَالتَّنَكُرَ لِلْخُصُومِ فِي مَوَاطِنِ الحَقِّ الَّتِي يُوجِبُ اللهُ بِهَا الأَجْرَ، وَيُحْسِنُ بِهَا الذِّكْرَ، فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحْ نِيَّتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَىٰ وَلَوْ عَلَىٰ نَفْسِهِ يَكْفِهِ اللهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللهُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ يُشِنْهُ الله، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ غَيْرِ اللهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ([1]).